التّفسير
دوافع الانفاق ونتائجه:
في هاتين الآيتين نهي للمؤمنين عن المنّ والأذى عند إنفاقهم في سبيل الله، لأنّ ذلك يحبط أعمالهم.
ثمّ يضرب القرآن مثلاً للإنفاق المقترن بالمنّ والأذى، ومثلاً آخر للإنفاق المنطلق من الإخلاص والعواطف الإنسانية.
يقول تعالى في المثال الأوّل: (فمثله كمثل صفوان عليه تراب...).
تصوّر قطعة حجر صلد تغطّيه طبقه خفيفة من التراب، وقد وضعت في هذا التراب بذور سليمة، ثمّ عرّض الجميع للهواء الطلق وأشعة الشمس، فإذا سقط المطر المبارك على هذا التراب لا يفعل شيئاً سوى اكتساح التراب والبذور وبعثرتها، ليظهر سطح الحجر بخشونته وصلابته التي لا تنفذ فيها الجذور، وهذا ليس لأنّ أشعة الشمس والهواء الطلق والمطر كان لها تأثير سيء، بل لأنّ البذر لم يزرع في المكان المناسب، ظاهر حسن وباطن خشن لا يسمح بالنفوذ إليه.
قشرة خارجية من التربة لا تعين على نموّ النبات الذي يتطلّب الوصول إلى الأعماق لتتغذّى الجذور.
ويشبّه القرآن الإنفاق الذي يصاحبه الرياء والمنّة والأذى بتلك الطبقة الخفيفة من التربة التي تغطّي الصخرة الصلدة والتي لا نفع فيها، بل أنّها بمظهرها تخدع الزارع وتذهب بأتعابه أدراج الرياح.
هذا هو المثل الذي ضربه القرآن في الآية الاُولى للإنفاق المرائيالذي يتبعه المنّ والأذى(1).
وفي نهاية الآية يقول تعالى: (والله لا يهدي القوم الكافرين) وهو إشارة إلىأنّ الله تعالى سوف يسلبهم التوفيق والهداية، لأنّهم أقدموا على الرياء والمنّةوالأذى باقدامهم، واختاروا طريق الكفر بإختيارهم، ومثل هذا الشخص لايليق بالهداية، وبذلك وضع القرآن الكريم الإنفاق مع الرياء والمنّة والأذى في عرض واحد.
مثال رائع آخر
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أجرها ﴿بالمن والأذى﴾ المنافقين للإخلاص ﴿كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ﴾ كإبطال المنافق المرائي بإنفاقه ﴿وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ﴾ المرائي ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ حجر أملس ﴿عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾ مطر عظيم القطر ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ أجرد لا تراب عليه ﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾ لا يجدون ثواب ما عملوا رياء والضمير للذي ينفق مرادا به الجنس أو الفريق ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ لا يقسرهم على الطاعة وفيه تعريض بأن المن والرياء من صفة الكافر لا المؤمن.