ثمّ تقول: (إِذا رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إِنّي أنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) فبملاحظة أن "القبس" يعني الشعلة القليلة التي تؤخذ من النار، وبملاحظة أن مشاهدة النار في الصحاري تدل عادة على أن جماعة قد اجتمعوا حولها، أو أنّهم وضعوها على مرتفع حتى لا تضل القوافل الطريق في الليل، وأيضاً بملاحظة أن "مكثوا" - من مادة مكث - تعني التوقف القصير، فمن مجموع هذه التعابير يستفاد أن موسى وزوجته وابنه كانوا يقطعون الصحراء في ليلة ظلماء ..
ليلة كانت مظلمة وباردة كان موسى قد ضل الطريق فيها، فجلبت انتباهه شعلة نار من بعيد، وبمجرد رؤيتها قال لأهله: قفوا هنا قليلا فقد رأيت ناراً سأذهب إِليها حتى آتيكم منها بقبس، أو أجد الطريق بواسطة النار أو من اجتمع حولها.
ونقرأ في التواريخ أنّ موسى(ع) عندما انتهت مدّة عقده مع "شعيب" في "مدين"، حمل زوجته وابنه وأغنامه وسار من مدين إِلى مصر، فضلّ الطريق، وكانت ليلة مظلمة، فتفرقت أغنامه في الصحراء، فأراد أن يشعل ناراً في ذلك الليل البارد ليتدفأ هو وأهله، وحاول إشعال النار فلم يفلح، وفي هذه الأثناء عصفت بزوجته آلام الوضع!
لقد حاصره سيل من الحوادث الصعبة .. وفي هذه الأثناء لاح لعينيه ضياء من بعيد، إِلاّ أنّه لم يكن ناراً، بل كان نوراً إِلهياً، وظن موسى أنّه نار، فسعى نحوها علّه يجد من يهديه في تلك الصحراء إِلى الطريق، أو يأخذ لأهله جذوة منها(1).
﴿إِذْ رَأَى نَارًا﴾ حين استأذن شعيبا في المسير إلى أمه فخرج بأهله فأضل الطريق في ليلة مظلمة مثلجة وتفرقت ماشيته فلاحت له النار من بعيد ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ أبصرتها ﴿لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ﴾ بشعلة أقتبسها بعود ونحوه ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ هاديا يهدي الطريق.