لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وأشارت الآية الأخيرة إِلى أصل اساس يضمن نتفيذ كل البرامج العقائدية والتربوية، فتقول: (فلا يصدنّك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه) والاّ فسوف ثملك (فتردى) فاصمد في مقابل الكافرين ووساوسهم وعراقيلهم، ولا تدع للخوف من كثرتهم و مؤامرتهم وخططهم الخبيثة إِلى قبلك سبيلا، ولا تشك مطلقاً في أحقية دعوتك وأصالة دينك نتيجة هذه الضوضاء. الملفت للنظر أنّ جملة "لا يؤمن" وردت هنا بصيغة المضارع، وجملة "واتبع هواه" بصيغة الماضي، وهي في الحقيقة إِشارت إِلى هذه النكتة، وهي أن عدم إِيمان منكري القيامة ينبع من أتباع هوى النفس، فهم يريدون أن يكونوا أحراراً ويفعلون ما تشتهي أنفسهم، فأي شيء أحسن من أن ينكروا القيامة حتى لا تُخدش حرية ميولهم وأهوائهم! بحوث 1 - المراد من قوله تعالى: (فاخلع نعليك) وكما قلنا، فإِن ظاهر الآية أنّ موسى(ع) قد أمر بخلع نعليه احتراماً لتلك الأرض المقدسة، وأن يسير بكل خضوع وتواضع في ذلك الوادي ليسمع كلام الحق، وأمر الرسالة. إِلاّ أنّ بعض المفسّرين قالوا تبعاً لبعض الرّوايات: إِنّ سبب ذلك هو أن جلد ذلك النعل كان من جلد حيوان ميت. إِنّ هذا الكلام إِضافة إِلى أنّه يبدو بعيداً بحد ذاته، لأنّه لا دليل على أن موسى(ع) كان يستعمل مثل هذه الجلود والنعال الملوثة، فإِن الرّواية التي رويت عن الناحية المقدسة، صاحب الزمان - أرواحنا له الفداء - تنفي هذا التّفسير نفياً شديداً(3). ويلاحظ في التوراة الحالية أيضاً، سفر الخروج، الفصل الثّالث، نفس التعبير الذي يوجد في القرآن. البعض الآخر من الرّوايات يشير إِلى تأويل الآية وبطونها: "فاخلع نعليك: أي خوفيك: خوفك من ضياع أهلك، وخوفك من فرعون"(4). وفي حديث آخر عن الإِمام الصادق(ع) فيما يتعلق بهذا الجانب والزمن من حياة موسى(ع) حيث يقول: "كن لما لا ترجوا أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران خرج ليقبس لأهله ناراً فرجع إِليهم وهو رسول نبي"(5)! وهي إِشارة إلى أن الإِنسان كثيراً ما يأمل أن يصل إِلى شيء لكنه لا يصل إِليه، إِلاّ أن أشياء أهم لا أمل له في نيلها تتهيأ له بفضل الله. وقد نقل هذا المعنى أيضاً عن أمير المؤمنين علي(ع)(6). 2 - جواب عن سؤال، يطرح بعض المفسّرين هنا سؤالا، وهو: كيف ومن أين علم موسى أنّ الصوت الذي يسمعه صادرٌ من الله سبحانه وتعالى؟ ومن أين تيقن أن الله كلّفه بهذه المهمّة؟ وهذا السؤال يمكن طرحه في شأن سائر الأنبياء أيضاً، ويمكن الإِجابة عنه بطريقين: الأوّل: إِنّه يحصل للأنبياء في تلك الحالة نوع من المكاشفة الباطنية والإِحساس الداخلي تبلغهم وتوصلهم إِلى القطع واليقين الكامل، وتزيل عنهم كل أنواع الشك والشبهة. والثّاني: إِنّ من الممكن أن تكون بداية الوحي مقترنة بأُمور خارقة للعادة، لا يمكن أن تقع وتتمّ إِلا بقوة الله، كما أن موسى(ع) شاهد النار في الشجرة الخضراء، ومن هذا فهم أن المسألة إِلهية وإِعجازية. وينبغي أن نذكّر بهذا الموضوع أيضاً، وهو أن سماع كلام الله سبحانه وبلا واسطة، لا يعني أن لله حنجرة وصوتاً، بل إِنّه يخلق بقدرته الكاملة أمواج الصوت في الفضاء، ويتكلم مع أنبيائه عن هذا الطريق، ولما كانت نبوة موسى(ع) قد بدأت بهذه الكيفية، فقد لقب بـ (كليم الله). 3 - الصلاة أفضل وسيلة لذكر الله أشير في الآيات - محل البحث - إِلى واحدة من أهم أسرار الصلاة، وهي أن الإِنسان يحتاج في حياته في هذا العالم - وبسبب العوامل المؤدية إِلى الغفلة - إِلى عمل يذكّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوامة الغفلة والجهل، وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة. إِنّ الإِنسان يستيقظ في الصباح من النوم .. ذلك النوم الذي عزله عن كل موجودات العالم، ويريد أن يبدأ نشاطه الحياتي، فقبل كل شيء يتوجه إِلى الصلاة، ويصفي قلبه وروحه بذكر الله، ويستمد منه القوّة والمدد، ويستعد للجد والسعي الممتزج بالصدق والمودة. وعندما يغرق في زحمة الأعمال اليومية، وتمضي عدة ساعات وقد نسي ذكر الله، وفجأة يحين الظهر، ويسمع صوت المؤذن: الله أكبر! حي على الصلاة! فيتوجه إِلى الصلاة ويقف بين يدي ربّه ويناجيه، وإِذا كان غبار الغفلة قد استقر على قلبه فإِنّه يغسله بهذه الصلاة، ومن هنا يقول الله سبحانه لموسى في أوّل الأوامر في بداية الوحي: (وأقم الصلاة لذكري). وممّا يجلب الإِنتباه أنّ هذه الآية تقول: (وأقم الصلاة لذكري) أمّا الآية (28) من سورة الرعد فتقول: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) والآيات (27 - 30) من سورة الفجر تقول: (يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي إِلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) وإِذا جعلنا هذه الآيات الثلاثة جنباً إِلى جنب فسنفهم جيداً أن الصلاة تذكر الإِنسان بالله، وذكر الله يجعل نفسه مطمئنة، ونفسه المطمئنة ستوصله إِلى مقام العباد المخلصين والجنّة الخالدة. ﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا﴾ عن الإيمان بالساعة أو عن الصلاة ﴿مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ فتهلك.