لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول عن الصادق (عليه السلام) أنّها نزلت في أقوام لهم رِبَاً في الجاهلية، وكانوا يتصدّقون منه، فنهاهم الله عن ذلك وأمر بالصدقة من الطيّب الحلال. عن علي (عليه السلام) أنّها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف (وهو أردأ التمر) فيدخلونه في الصدقة(1). وليس بين الروايتين أي تعارض، ولعلّ الآية نزلت في كلتا الفئتين، فالشأن الأوّل يخصت الطهارة المعنوية، ويخص الثاني طيب الظاهر المادّي. ولكن ينبغي الإشارة إلى أنّ المرابين في الجاهلية امتنعوا عن تعاطي الربا بعد نزول الآية 275 من سورة البقرة ولم تحرم عليهم أموالهم السابقة، أي أنّ الآية لم يكن لها أثر رجعي، ولكن من الواضح أنّ هذا المال وإن يكن حلالاً، فهو يختلف عن الأموال الأُخرى، فكان في الحقيقة أشبه بتحصيل أموال عن طرق مكروهة. التّفسير الأموال التي يمكن إنفاقها : شرحت الآيات السابقة ثمار الإنفاق وصفات المنفقين والأعمال التي قد تبطل أعمال الإنفاق الإنسانية في سبيل الله. وهذه الآية تبيّن نوعيّة الأموال التي يمكن أن تنفق في سبيل الله. في بداية الآية يأمر الله المؤمنين أن ينفقوا من (طيبات) أموالهم. و «الطيب» في اللغة هو الطاهر النقي من الناحية المعنوية والمادّية، أي الأموال الجيدة النافعة والتي لا شبهة فيها من حيث حلّيتها.ويؤيّد عمومية الآية الروايتان المذكورتان في سبب النزول. كما انّ جملة (لستم بآخذيه إلاَّ أن تغمضوا فيه) أي أنكم أنفسكم لاتأخذون غير الطيّب من المال إلاَّ إذا أغمضتم أعينكم كارهين، دليل على أنّ المقصود ليس الطهارة الظاهريّة فقط، لأنّ المؤمنين لايقبلون مالاً تافهاً ملوّثاً في ظاهره، كما لا يقبلون مالاً مشبوهاً مكروهاً إلاَّ بالإكراه والتغاضي. (وممّا أخرجنا لكم من الأرض). كانت عبارة (ما كسبتم) إشارة إلى الدخل التجاري، وهذه العبارة إشارة إلى الدخل الزراعي وعائدات المناجم، فهو يشمل كلّ أنواع الدخل، لأنّ أصل دخل الإنسان ينبع من الأرض ومصادرها المتنوّعة، بما فيها الصناعة والتجارة وتربية المواشي وغير ذلك. تقول هذه الآية : إننا وضعنا مصادر الثروة هذه تحت تصرّفكم، لذلك ينبغي أن لا تمتنعوا عن إنفاق خير ما عندكم في سبيل الله. (ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاَّ أن تغمضوا فيه)(1). اعتاد معظم الناس أن ينفقوا من فضول أموالهم التي لا قيمة لها أو الساقطة التي لم تعد تنفعهم في شيء. إنّ هذا النوع من الإنفاق لا هو يربّي روح المنفق، ولاهو يرتق فتقاً لمحتاج، بل لعلّه إهانة له وتحقير. فجاءت هذه الآية تنهي بصراحة عن هذا وتقول للناس : كيف تنفقون مثل هذا المال الذي لا تقبلونه أنتم إذا عرض عليكم إلاَّ إذا اضطررتم إلى قبوله ؟ أترون إخوانكم المسلمين، بل أترون الله الذي في سبيله تنفقون أقلّ شأناً منكم ؟ الآية تشير في الواقع إلى فكرة عميقة وهي أنّ للإنفاق في سبيل الله طرفين، فالمحتاجون في طرف، والله في طرف آخر. فإذا اختير المال المنفق من زهيد الأشياء ففي ذلك إهانة لمقام الله العزيز الذي لم يجده المنفق جديراً بطيّبات ما عنده كما هو إهانة للذين يحتاجونه، وهم ربما يكونون من ذوي الدرجات الإيمانية السامية، وعندئذ يسبّب لهم هذا المال الرديء الألم والعذاب النفسي. التعبير بكلمة (الطيّبات) يشمل الطيّب الظاهري الذي يستحقّ الإنفاق والمصرف، وكذلك الطيّب المعنوي، أي الطاهر من الأموال المشتبه والحرام لأنّ المؤمنين لا يرغبون في تناول مثل هذه الأموال. وجملة (إلاّ أن تغمضوا فيه)تشمل الجميع، فما ذهب إليه بعض المفسّرين من حصرها بأحد هذين المعنيين بعيدٌ عن الصواب، ونظير هذه الآية ما جاء في سورة آل عمران الآية 92 حيث يقول : (لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون)وطبعاً هذه الآية ناظرة أكثر إلى الآثار المعنويّة للإنفاق. 1 ـ «يتمم» في الأصل بمعنى القصد أي شيء وجاءت هنا بهذا المعنى واُطلقت هذه الكلمة على التيمم لأن الإنسان يقصد الاستفادة من التراب الطاهر كما يقول القرآن : (فتيمموا صعيداً طيباً)(النساء : 43). وفي ختام الآية يقول : (واعلموا أنّ الله غني حميد) أي لا تنسوا أنّ الله لا حاجة به لإنفاقكم فهو غنيٌّ من كلّ جهة، بل أنّ جميع المواهب والنعم تحت أمره وفي دائرة قدرته، ولذلك فهو حميد ومستحق للثناء والحمد، لأنّه وضع كلّ هذه النعم بين أيديكم. واحتمل البعض أنّ كلمة (حميد) تأتي هنا بمعنى إسم الفاعل (حامد) لا بمعنى محمود، أي أنّه على الرغم من غناه عن إنفاقكم فإنّه يحمدكم على ما تنفقون. بحث لاشكّ أنّ الإنفاق في سبيل الله هو من أجل نيل القرب من ساحته المقدّسة، وعندما يريد الناس التقرّب إلى السلاطين وأصحاب النفوذ فإنّهم يقدّمون إليهم هدايا من أفضل أموالهم وأحسن ثرواتهم، في حين أنّ هؤلاء السلاطين أناسٌ مثلهم فكيف يتقرّب الإنسان إلى ربّه وخالقه وربّ السموات والأرض لتقديم بعض أمواله الدنيئة كهديّة ؟ ! فما نرى في الأحكام الشرعيّة من وجوب كون الزكاة وحتّى الهديّ في الحجّ من المرغوب والجيّد يدخل في دائرة هذا الإعتبار. وعلى كلّ حال يجب الإلتزام ونشر هذه الثقافة القرآنية بين صفوف المسلمين في إنفاقهم الجيّد من الأموال. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ من جيده أو حلاله ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ﴾ أي ومن طيبات ما أخرجنا من الغلات والثمار والمعادن ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ﴾ لا تقصدوا الرديء أو الحرام من المال ﴿تُنفِقُونَ﴾ حال من فاعل تيمموا ويجوز تعلق منه به والضمير للخبيث والجملة حال منه ﴿وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ﴾ والحال أنكم لا تأخذونه في حقوقكم لخبثه ﴿إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ﴾ تتسامحوا في أخذه ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ﴾ عن إنفاقكم ﴿حَمِيدٌ﴾ بقبوله.