ثمّ بيّنت الآية طريقة التعامل المؤثّرة مع فرعون، فمن أجل أن تنفذا إليه وتؤثرا فيه (فقولا له قولا ليّناً لعلّه يتذكّر أو يخشى) والفرق بين "يتذكّر" و "يخشى" هنا هو أنّكما إذا واجهتماه بكلام لطيف، رقيق، ملائم، وتبيّنان في الوقت ذاته المطالب بصراحة وحزم، فيحصل أحد الإحتمالين: أن يقبل من صميم قلبه أدلتكما المنطقيّة ويؤمن، والإحتمال الآخر هو أن يخاف على الأقل من العقاب الإلهي في الدنيا أو الآخرة، ومن زوال ملكه وقدرته، فيذعن ويسلم ولا يخالفكما.
ويوجد إحتمال ثالث أيضاً، وهو أنّه لا يتذكّر ولا يخشى، بل سيستمر في طريق المخالفة والمجابهة، وقد اُشير إلى ذلك بكلمة "لعلّ" وفي هذه الصورة فإنّ الحجّة قد تمّت عليه، وعلى كلّ حال فإنّ القيام بهذا العمل لا يخلو من فائدة.
لا شكّ أنّ الله تعالى يعلم عاقبة عمله، إلاّ أنّ التعبيرات المذكورة آنفاً درس لموسى وهارون وكلّ المصلحين والمرشدين إلى طريق الله(1).
ومع هذه الحال، فقد كان موسى وهارون قلقين من أنّ هذا الرجل القوي المتغطرس المستكبر، الذي عمّ رعبه وخشونته كلّ مكان، قد يقدم على عمل قبل أن يبلّغ موسى (ع) وهارون (ع) الدعوة، ويهلكهما، لذلك (قالا ربّنا إنّنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى).
"يفرط" من مادّة فرط - على وزن شرط - أي السبق والعجلة، ولذلك يقال للشخص الذي يردّ محلّ الماء أوّلا: فارط، ونقرأ في كلام الإمام علي (ع) أمّا قبور الموتى بجبانة الكوفة: "أنتم لنا فرط سابق"(2).
على كلّ حال، فإنّ موسى وهارون كانا مشفقين من شيئين: فإمّا أن يقسو فرعون ويستخدم القوّة قبل أن يسمع كلامهما، أو أنّه يقدم على هذا العمل بعد سماعه هذا الكلام مباشرة، وكلتا الحالين تهدّد مهمّتهما بالخطر.
إلاّ أنّ الله سبحانه قد أجابهما بحزم: فـ(قال لا تخافا إنّني معكما أسمع وأرى)وبناءً على هذا، فمع وجود الله القادر معكما في كلّ مكان، الله الذي يسمع كلّ شيء، ويرى كلّ شيء، وهو حاميكما وسندكما، فلا معنى للخوف والرعب.
ثمّ يبيّن لهما بدقّة كيفية إلقاء دعوتهما في محضر فرعون في خمس جمل قصار قاطعة غنيّة المحتوى، ترتبط أوّلها بأصل المهمّة، والثّانية ببيان محتوى المهمّة، والثّالثة بذكر الدليل والسند، والرّابعة بترغيب الذين يقبلونها، وأخيراً فإنّ الخامسة تكفّلت بتهديد المعارضين.
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ﴾ يتعظ ﴿أَوْ يَخْشَى﴾ العقاب.