التّفسير
الإنتصار العظيم لموسى(ع):
إنتهينا في الآيات السابقة إلى أنّ موسى أُمر أن يلقي عصاه ليبطل سحر السّاحرين، وقد عُقبت هذه المسألة في هذه الآية، غاية الأمر أنّ العبارات والجمل التي كانت واضحة قد حذفت، وهي (أنّ موسى قد ألقى عصاه، فتحوّلت إلى حيّة عظيمة لقفت كلّ آلات وأدوات سحر السّحرة، فعلت الصيحة والغوغاء من الحاضرين، فاستوحش فرعون وإرتبك، وفغر أتباعه أفواههم من العجب.
فأيقن السّحرة الذين لم يواجهوا مثل هذا المشهد من قبل، وكانوا يفرّقون جيداً بين السحر وغيره، إنّ هذا الأمر ليس إلاّ معجزة إلهيّة، وإنّ هذا الرجل الذي يدعوهم إلى ربّهم هو رسول الله، فاضطربت قلوبهم، وتبيّن التحوّل العظيم في أرواحهم ووجودهم).
والآن نسمع بقيّة الحديث من لسان الآيات:
(فاُلقي السّحرة سجداً قالوا آمنا بربّ هارون وموسى).
إنّ التعبير ب- (اُلقي) - وهو فعل مبني للمجهول - ربّما كان إشارة إلى أنّهم قد صدّقوا موسى، وتأثّروا بمعجزته إلى الحدّ الذي سجدوا معه دون إرادة.
ونقطة أُخرى يلزم ذكرها وتستحقّ الإلتفات، وهي أنّهم لم يقتنعوا بمجرّد الإيمان القلبي، بل رأوا أنّ من واجبهم إظهار هذا الإيمان بصورة جليّة، بتعابير لا يشوبها أي إبهام، أي التأكيد على ربوبية ربّ موسى وهارون، حتّى يرجع اُولئك الذين ضلّوا بسبب سحرهم، ولا تبقى على عاتقهم مسؤولية من هذه الجهة.
من البديهي أنّ عمل السّحرة هذا قد وجّه صفعة قويّة إلى فرعون وحكومته الجبّارة المستبدّة الظالمة، وهزّ كلّ أركانها، لأنّ الإعلام كان قد ركّز على هذه المسألة مدّة طويلة في جميع أنحاء مصر، وكانوا قد جلبوا السّحرة من كلّ أرجاء البلاد، ووعد هؤلاء بكلّ نوع من المكافئات والجوائز والإمتيازات إذا ما غلبوا وإنتصروا في المعركة!
إلاّ أنّه يرى الآن أنّ أُولئك الذين كانوا في الصفّ الأوّل من المعركة، قد إستسلموا فجأةً للعدو بصورة جماعية، ولم يسلموا وحسب، بل أصبحوا من المدافعين الصلبين عنه، ولم تكن هذه المسألة في حسبان فرعون أبداً، ولا شكّ أنّ جمعاً من الناس قد اتّبعوا السّحرة وآمنوا بدين موسى.
﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ لله تعالى، ألقاهم تحقق الحق لهم ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ أخر للفاصلة قيل رأوا في سجودهم منازلهم في الجنة.