فأجاب موسى على الفور: (قال هم أولاء على أثري وعجّلت إليك ربّ لترضى) فليس شوق المناجاة وسماع كلامك لوحده قد سلب قراري، بل كنت مشتاقاً إلى أن آخذ منك أحكام التوراة بأسرع ما يمكن لاُؤدّيها إلى عبادك، ولأنال رضاك عنّي بذلك .
.
أجل إنّي عاشق لرضاك، ومشتاق لسماع أمرك.
وفي هذا اللقاء إمتدّت مدّة الإشراقات والتجليّات المعنوية الإلهيّة من ثلاثين ليلة إلى أربعين، وأدّت الأجواء المهيأة لإنحراف بني إسرائيل دورها، فالسامري، ذلك الرجل الفطن والمنحرف صنع بإستعماله الوسائل التي سنشير إليها فيما بعد عجلا، ودعا تلك الجماعة إلى عبادته، وأوقعهم فيها.
لا شكّ في أنّ الأرضيات، كمشاهدة عبادة المصريين للعجل، أو مشاهدة مشهد عبادة الأصنام - العجل بعد عبور نهر النيل، وطلب صنع صنم كهؤلاء، وكذلك تمديد مدّة ميعاد موسى، وإنتشار شائعة موته من قبل المنافقين، وأخيراً جهل هذه الاُمّة، كلّ ذلك كان له أثر في ظهور هذه الحادثة والإنحراف الكبير عن التوحيد، لأنّ الحوادث الإجتماعية لا تقع عادةً بدون مقدّمات، غاية ما هناك أنّ هذه المقدّمات تكون تارةً واضحة وعلنية، وأُخرى مستورة وخفيّة.
على كلّ حال، فإنّ الشرك في أسوأ صورة قد أحاط ببني إسرائيل، وأخذ بأطرافهم، خاصةً وأنّ كبار القوم كانوا مع موسى في الجبل، وكان زعيم الاُمّة هارون وحيداً دون أن يكون له مساعدون أكفّاء مؤثّرون.
﴿قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ طلبا لزيادة رضاك.