غضب موسى عند سماعه هذه الكلمات غضباً التهب معه كلّ وجوده، وربّما كان يقول لنفسه: لقد تحمّلت المصائب والمصاعب خلال هذه السنين الطويلة، وأرهقت نفسي وواجهت كلّ الأخطار في سبيل أن تركن هذه الاُمّة إلى التوحيد، فكيف ذهبت جهودي أدراج الرياح بمجرّد أن غبت عنها عدّة أيّام (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً).
وما أن وقعت عينه على ذلك المنظر القبيح، منظر عبادة العجل (قال ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً).
وهذا الوعد الحسن إمّا أن يكون وعد بني إسرائيل بنزول التوراة وبيان الأحكام السماوية فيها، أو الوعد بالنجاة والإنتصار على الفراعنة ووراثة حكومة الأرض، أو الوعد بالمغفرة والعفو للذين يتوبون ويؤمنون ويعملون الصالحات، أو أنّه كلّ هذه الاُمور.
ثمّ أضاف: (أفطال عليكم العهد) وهو يشير إلى أنّه: هبوا أنّ مدّة رجوعي قد طالت من ثلاثين إلى أربعين يوماً، فإنّ هذا الزمن ليس طويلا، ألا يجب عليكم أن تحفظوا أنفسكم في هذه المدّة القصيرة؟ وحتّى لو نأيت عنكم سنين طويلة فينبغي أن تلتزموا بالتعاليم الإلهيّة التي تعلمّتموها وتؤمنوا بالمعجزات التي رأيتموها: (أم أردتم أن يحلّ عليكم غضب من ربّكم فأخلفتم موعدي)(1) فقد عاهدتكم على أن تثبتوا على خطّ التوحيد وطريق طاعة الله الخالصة، وأن لا تنحرفوا عنه قيد أنملة، إلاّ أنّكم نسيتم كلّ كلامي في غيابي، وكذلك تمردّتم على طاعة أمر أخي هارون وعصيتموه.
﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ﴾ بعد أخذ التوراة ﴿غَضْبَانَ﴾ عليهم ﴿أَسِفًا﴾ حزينا لضلالهم ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾ أي صدقا أن يعطيكم التوراة ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ﴾ زمان مفارقتي إياكم ﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ﴾ يجب ﴿عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ بعبادتكم العجل ﴿فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي﴾ وعدكم إياي بالإقامة على ديني وباللحاق لي.