ثمّ أن الآية التالية تبيّن الفرق بين الربا والصدقة وتقول:
(يمحق الله الربا ويربي الصدقات).
ثُمّ يضيف: (والله لا يحبّ كلَّ كفّار أثيم) يعني الذين تركوا ما في الصدقات من منافع طيبة والتمسوا طريق الربا الذي يوصلهم إلى نار جهنم.
"المـَحق" النقصان التدريجي.
و "الربا" هو النموّ التدريجي.
فالمرابي بما لديه من رأسمال وثروة يستحوذ على أتعاب الطبقة الكادحة، وقد يؤدّي عمله هذا إلى القضاء عليهم، أو يبذر على الأقل بذور العداء والحقد في قلوبهم بحيث يصبحون بالتدريج متعطّشين إلى شرب دماء المرابين ويهدّدون أموالهم وأرواحهم.
فالقرآن يقول إنّ الله يسوق رؤوس الأموال الربوية إلى الفناء.
إنّ هذا الفناء التدريجي الذي يحيق بالفرد المرابي يحيق بالمجتمع المرابي أيضاً.
وبالمقابل، فالاشخاص الذين يتقدّمون إلى المجتمع بقلوب مليئة بالعواطف الإنسانية وينفقون من رؤوس أموالهم وثرواتهم يقضون بها حاجات المحتاجين من الناس يحظون بمحبّة الناس وعواطفهم عموماً، وأموال هؤلاء فضلاً عن عدم تعرّضها لأيّ خطر تنمو بالتعاون العامّ نموّاً طبيعياً.
وهذا ما يعنيه القرآن بقوله:
(ويربي الصدقات).
0وهذا الحكم يجري في الفرد كما يجري في المجتمع.
فالمجتمع الذي يعني بالحاجات العامّة تتحرّك فيه الطاقات الفكرية والجسمية للطبقة الكادحة التي تؤلّف أكثرية المجتمع وتبدأ العمل، وعلى أثر ذلك يظهر إلى حيّز الوجود ذلك النظام الإقتصادي القائم على التكافل وتبادل المنافع العامّة.
(والله لا يحبّ كلّ كفّار أثيم).
"الكفّار" من الكفور، بوزن فجور، وهو المغرق في نكران الجميل والكفر بالنعمة، و "الأثيم" هو الموغل في ارتكاب الآثام.
هذه الفقرة من الآية تشير إلى أنّ المرابين بتركهم الإنفاق والإقراض والبذل في سبيل رفع الحاجات العامّة يكفرون بما أغدق الله عليهم من النِعم، بل أكثر من ذلك يسخّرون هذه النِعم على طريق الإثم والظلم والفساد، ومن الطبيعي أنّ الله لا يحبّ أمثال هؤلاء
﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا﴾ يهلكه ويذهب ببركته ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ ينميها ويضاعف ثوابها ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ﴾ مصر على تحليل الحرام ﴿أَثِيمٍ﴾ متماد في ارتكابه.