ولكن لمّا كان آدم نقيّاً ومؤمناً في ذاته، وكان يسير في طريق رضى الله سبحانه، وكان لهذا الخطأ الذي أحاط به نتيجة وسوسة الشيطان صفة إستثنائية، فإنّ الله سبحانه لم يبعده عن رحمته إلى الأبد، بل (ثمّ إجتباه ربّه فتاب عليه وهدى).
هل إرتكب آدم معصية؟
مع أنّ العصيان يأتي في عرف اليوم - عادةً - بمعنى الذنب والمعصية، إلاّ أنّه في اللغة يعني الخروج عن الطاعة وعدم تنفيذ الأمر سواء كان الأمر واجباً أو مستحبّاً، وبناءً على هذا فإنّ إستعمال كلمة العصيان لا يعني بالضرورة ترك واجب أو إرتكاب محرّم، بل يمكن أن يكون ترك أمر مستحبّ أو إرتكاب مكروه.
إضافةً لما مرّ، فإنّ الأمر والنهي يكون إرشادياً، كأمر ونهي الطبيب حيث يأمر المريض أن يتناول الدواء الفلاني، وأن يجتنب الغذاء الفلاني غير المناسب، ولا شكّ أنّ المريض إذا خالف أمر الطبيب فإنّه لا يضرّ إلاّ نفسه، لأنّه لم يعبأ بإرشاد الطبيب ونصيحته.
وكذلك كان الله قد أمر آدم أن لا تأكل من ثمرة الشجرة الممنوعة، فإنّك إن أكلت ستخرج من الجنّة، وستبتلى بالألم والمشقّة الكبيرة في الأرض، فخالف هذا الأمر الإرشادي، ورأى نتيجة مخالفته أيضاً.
وإذا لاحظنا أنّ هذا الكلام كان في مرحلة وجود آدم في الجنّة، وهي مرحلة إختبار لا تكليف، فسيتّضح معناه بصورة أجلى.
وإضافة لما مرّ، فإنّ العصيان أو الذنب يكون أحياناً متّصفاً بالإطلاق، أي إنّه يُعدّ ذنباً من قبل مرتكبيه جميعاً وبدون إستثناء كالكذب والظلم وأكل المال الحرام، ويكون أحياناً نسبيّاً، أي العمل الذي إن بدر من شخص ما فقد لا يكون ذنباً، بل قد يعتبر أحياناً عملا مطلوباً ولائقاً لصدوره من مثله، أمّا إذا صدر من آخر فإنّه لا يناسبه نظراً إلى مكانته ومنزلته.
فمثلا: تطلب المساعدة من قبل بعض الناس لبناء مستشفى، فيعطى العامل أُجرة يوم من عمله والتي لا تتجاوز أحياناً أكثر من عدّة دراهم.
إنّ هذا الفعل الصادر من مثل هذا الشخص يُعدّ إيثاراً وحسنةً وهو مطلوب تماماً، أمّا إذا أعطى رجل ثري هذا المقدار من المال مثلا فإنّه لا يناسبه ولا يليق به فحسب، بل سيكون موضع ملامة ومذمّة وتعنيف مع أنّه أساساً لم يرتكب حراماً، بل ساهم ولو بمقدار يسير في عمل الخير والبرّ.
إنّ هذا هو ما نعبّر عنه بـ(حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين) وهو المعروف بترك الأُولى، ونحن نعبر عنه بالذنب النسبي الذي لا يعدّ ذنباً، ولا يخالف مقام العصمة.
وفي الأحاديث الإسلامية أيضاً أُطلقت المعصية على مخالفة المستحبّات، فنرى في حديث عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال في النوافل اليوميّة: "وإنّما هذا كلّه تطوّع وليس بمفروض ... ولكنّها معصية، لأنّه يستحبّ إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه"(3).
وقد بحثنا هذا الموضوع وسائر المسائل المرتبطة بآدم وخروجه من الجنّة في سورة الأعراف ذيل الآية 19 وما بعدها، وفي سورة البقرة ذيل الآية 30 - 38، ولا حاجة إلى التكرار.
﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ اختاره للرسالة ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ قبل توبته ﴿وَهَدَى﴾ إلى حفظ أسبأب العصمة.