ثمّ تبيّن الآية التالية علامة من علامات إعراض هؤلاء بهذه الصورة: (ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث إلاّ استمعوه وهم يلعبون) فلم يتّفق لهم أن يتدبّروا ساعة في كلام الله المجيد، ويتأمّلوا في آياته بجدّية، ويحتملوا - على الأقل - أن تكون مؤثّرة في حياتهم وعاقبة أمرهم ومصيرهم.
فهم لا يفكّرون في الحساب الإلهي، ولا في تحذيرات الله سبحانه.
وأساساً فإنّ أحد أسباب شقاء الجهلة والمتكبّرين هو إتّخاذهم النصائح ومواعظ الأخيار لهواً ولعباً دائماً، وهذا هو السبب في عدم تنبّههم من غفلتهم، في حين أنّهم لو تعاملوا بصورة جديّة مع تلك النصائح ولو مرّة واحدة، فربّما تغيّر مسير حياتهم في تلك اللحظة!
كلمة "ذكر" في الآية إشارة إلى كلّ كلام منبّه يوقظ الغافلين، والتعبير بـ(محدث) إشارة إلى أنّ الكتب السماوية كانت تنزل الواحد تلو الآخر، وتحتوي كلّ سورة من سور القرآن، وكلّ آية من آياته محتوى جديداً ينفذ إلى قلوب الغافلين بطرق مختلفة، لكن أي فائدة مع مَن يتّخذ كلّ ذلك هزواً؟
وأساساً، فإنّ هؤلاء يفرقون من كلّ جديد، ويتمسكّون ويفرحون لكلّ الخرافات القديمة التي ورثوها من الآباء والأجداد، وكأنّهم قد تعاهدوا عهداً دائماً على أن يخالفوا كلّ حقيقة جديدة، مع أنّ أساس تكامل الإنسان مبتن على أن يواجه الإنسان كلّ يوم مسائل جديدة.
﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ﴾ تنزيله شيئا فشيئا ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ يستهزءون به حال من الواو وكذا.