ثمّ تقول من أجل زيادة التأكيد: (لاهيةً قلوبهم) لأنّهم في الظاهر يتّخذون كلّ المسائل الجديّة لهواً ولعباً - كما تشير جملة "يلعبون" إلى ذلك، حيث وردت بصيغة فعل مضارع مطلق - وهم في الباطن مشغولون باللهو والمسائل التي لا قيمة لها، والتي تجعلهم في غفلة عن الواقع.
ومن الطبيعي أنّ مثل هؤلاء الأشخاص سوف لا يجدون طريق السعادة، ولا يوفّقون إليه.
ثمّ تشير إلى جانب من الخطط الشيطانيّة فتقول: (وأسّروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلاّ بشر مثلكم)(3) وإذا لم يكن سوى بشر إعتيادي، فلابدّ أن تكون أعماله الخارقة ونفوذ كلامه سحراً، ولا يمكن أن يكون شيئاً آخر: (أفتأتون السحر وأنتم تبصرون)؟
قلنا: إنّ هذه السورة نزلت في مكّة، وفي تلك الأيّام التي كان فيها أعداء الإسلام في غاية القوّة والمنعة، فأي داع يدعوهم لإخفاء كلامهم، بل وحتّى نجواهم؟ (وينبغي الإلتفات إلى أنّ القرآن يقول إنّهم كانوا يخفون حتّى مناجاتهم).
قد يكون ذلك من أجل أنّ هؤلاء كانوا يتشاورون في المسائل التي تتّصف بالتخطيط والتآمر، حتّى يظهروا أمام عامّة الناس موقفاً واحداً ضدّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
إضافة إلى أنّ هؤلاء كانوا من ناحية القوّة متفوقّين حتماً، إلاّ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والمسلمين كانوا من ناحية المنطق والقوّة ونفوذ الكلام أكثر تفوّقاً، وهذا التفوّق هو الذي دفع هؤلاء إلى أن يتشاوروا في الخفاء لإنتخاب الأجوبة المصطنعة في مقابل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
على كلّ حال، فإنّ هؤلاء قد أكّدوا على مسألتين في أقوالهم: إحداهما: كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشراً، والاُخرى: تهمة السحر، وستأتي الإتّهامات الاُخرى في الآيات التالية أيضاً، ويتصدّى القرآن الكريم لجوابها.
﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ غافلة عن تدبره أو حال من واو يلعبون ﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى﴾ بالغوا في إخفائها أو أخفوا التناجي به فلم يتفطن له ﴿الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ بدل من واو أسروا أو ذم مرفوع أو منصوب بتقديرهم أو أعني ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ بدل من النجوى أو مفعول لقالوا منصوب أي هو ليس بملك فليس برسول فما يأتي به سحر ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ﴾ فتحضرونه وتقبلونه ﴿وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ ترون أنه بشر أو تعلمون أنه سحر.