التّفسير
الملائكة عباد مُكْرَمُون مطيعون:
لمّا كان الكلام في آخر آية عن الأنبياء، ونفي كلّ أنواع الشرك، ونفي كون المسيح (ع) ولداً، فإنّ كلّ الآيات محلّ البحث تتحدّث حول نفي كون الملائكة أولاداً.
وتوضيح ذلك أنّ كثيراً من مشركي العرب كانوا يعتقدون أنّ الملائكة بنات الله سبحانه، ولهذا السبب كانوا يعبدونها أحياناً، والقرآن الكريم إنتقد هذه العقيدة الخرافية التي لا أساس لها، وبيّن بطلانها بالأدلّة المختلفة.
يقول أوّلا: (وقالوا اتّخذ الرحمن ولداً) فإن كان مرادهم الولد الحقيقي، فإنّه يلزم من هذا الجسميّة، وإن كان المراد التبنّي - والذي كان إعتيادياً ومتداولا بين العرب - فإنّ ذلك أيضاً دليل على الضعف والإحتياج، وفوق كلّ ذلك فإنّ الذي يحتاج إلى الولد هو الذي يفنى، ويجب أن يديم إبنه حياته على المدى البعيد، وكذلك ليبقى نسله وكيانه وآثاره، أو لإبعاد الإحساس بالوحدة والحاجة إلى المؤنس، أو ليكتسب القدرة والقوّة.
إلاّ أنّ الوجود الأزلي الأبدي وغير الجسماني، وغير المحتاج من جميع الجهات، لا معنى لوجود الولد له.
ولذلك فإنّ القرآن يقول مباشرةً: (سبحانه).
ثمّ تُبيّن أوصاف الملائكة في ستّة أقسام تشكّل بمجموعها دليلا واضحاً على نفي كونهم أولاداً:
1 - بل عباد.
2 - مكرمون.
فليس هؤلاء عباداً هاربين خضعوا للخدمة تحت ضغط المولى، بل هم عباد لائقون يعرفون طريق العبودية واُصولها ويفتخرونبها، ولذلك فإنّ الله سبحانه قد أحبّهم، وأفاض عليهم من مواهبه نتيجة لإخلاصهم في العبودية.
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ قالوا الملائكة بنات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيها له عن ذلك ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ لديه.