التّفسير
موازين العدل في القيامة:
بعد أن كانت الآيات السابقة تعكس حالة غرور وغفلة الأفراد الكافرين، تقول الآية الأُولى أعلاه: إنّ هؤلاء المغرورين لم يذكروا الله يوماً في الرخاء، ولكن: (ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك ليقولنّ ياويلنا إنّا كنّا ظالمين).
كلمة (نفحة) تعني برأي المفسّرين وأرباب اللغة: الشيء القليل، أو النسيم اللطيف، وبالرغم من أنّ هذه الكلمة تستعمل غالباً في نسمات الرحمة والنعمة غالباً، إلاّ أنّها تستعمل في مورد العذاب أيضاً(1).
وعلى قول تفسير الكشّاف فإنّ جملة (ولئن مسّتهم نفحة ...) تتضمّن ثلاثة تعابير كلّها تشير إلى القلّة: التعبير بالمسّ، والتعبير بالنفحة، من ناحية اللغة، ومن ناحية الوزن والصيغة أيضاً(2).
والخلاصة: إنّ ما يريد أن يقوله القرآن الكريم هو: إنّ هؤلاء الذين عميت قلوبهم يسمعون كلام النّبي ومنطق الوحي سنين طويلة، ولا يؤثّر فيهم أدنى تأثير، إلاّ أنّهم عندما تلهب ظهورهم سياط العذاب - وإن كانت خفيفة يسيرة - سيصرخون (إنّا كنّا ظالمين) ألا ينبغي لهؤلاء أن ينتبهوا قبل أن تصيبهم سياط العذاب؟
ولو انتبهوا حينئذ، فما الفائدة؟ فإنّ هذه اليقظة الإضطرارية لا تنفعهم، وإذا ما هدأت فورة العذاب واطمأنّوا فإنّهم سيعودون إلى ما كانوا عليه!
﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ﴾ أقل أثر ﴿مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا﴾ هلاكنا ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ بتكذيب محمد.