ثمّ تعرف الآية التالية المتّقين بأنّهم (الذين يخشون ربّهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون).
ولكلمة "الغيب" هنا تفسيران: الأوّل: إنّه إشارة إلى ذات الله المقدّسة، أي مع أنّ الله سبحانه غائب عن الأنظار، فإنّ هؤلاء آمنوا به بدليل العقل، ويحسّون بالمسؤولية أمام ذاته المقدّسة.
والآخر: إنّ المتّقين لا يخافون الله في العلانية وبين المجتمع فقط، بل يعلمون أنّه حاضر وناظر إليهم حتّى في خلواتهم.
وممّا يلفت النظر، أنّه عبّر عن الخوف أمام الله بالخشية، وفي شأن القيامة بالإشفاق، إنّ هذين اللفظين وإن كان كلاهما بمعنى الخوف، إلاّ أنّ "الخشية" - على قول الراغب في المفردات - تقال في موضع يمتزج فيه الخوف بالإحترام والتعظيم، كخوف الابن من أبيه الموقّر، وبناءً على هذا فإنّ خوف المتّقين ممتزج بالمعرفة.
وأمّا "الإشفاق" فيعني الإهتمام والحبّ المقترن بالخوف، وهذا التعبير يستعمل أحياناً في شأن الأولاد أو الأصدقاء الذين يحبّهم الإنسان، إلاّ أنّه يخاف عليهم في الوقت نفسه من تعرّضهم للبلايا والأمراض مثلا.
وفي الواقع فإنّ المتّقين يحبّون يوم القيامة، لأنّه مكان الثواب والرحمة، إلاّ أنّهم في الوقت نفسه مشفقون من حساب الله فيه.
ويمكن أن تستعمل هاتان الكلمتان أيضاً في معنى واحد.
﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ﴾ حال أي غائبا عن حواسهم أو غائبين عن الناس أو في خلواتهم ﴿وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ﴾ من أحوالها ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خائفون.