ثمّ أشارت إلى أحد أهمّ مناهج إبراهيم (ع)، فقالت: إنّ رشد إبراهيم قد بان عندما قال لأبيه وقومه - وهو إشارة إلى عمّه آزر، لأنّ العرب تسمّي العمّ أباً - ما هذه التماثيل التي تعبدونها؟ (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون).
لقد حقّر إبراهيم (ع) الأصنام التي كان لها قدسيّة في نظر هؤلاء بتعبير (ما هذه)(1) أوّلا، وثانياً بتعبير (التماثيل) لأنّ التمثال يعني الصورة أو المجسّمة التي لا روح لها.
ويقول تاريخ عبادة الأصنام: إنّ هذه المجسّمات والصور كانت في البداية ذكرى للأنبياء والعلماء، إلاّ أنّها إكتسبت قدسيّة وأصبحت آلهة معبودة بمضيّ الزمان.
وجملة (أنتم لها عاكفون) بملاحظة معنى "العكوف" الذي يعني الملازمة المقترنة بالإحترام، توحي بأنّ اُولئك كانوا يحبّون الأصنام، ويطأطئون رؤوسهم في حضرتها ويطوفون حولها، وكأنّهم كانوا ملازميها دائماً.
إنّ مقولة إبراهيم (ع) هذه في الحقيقة إستدلال على بطلان عبادة الأصنام، لأنّ ما نراه من الأصنام هو المجسّمة والتمثال، والباقي خيال وظنّ وأوهام، فأي إنسان عاقل يسمح لنفسه أن يوجب عليها كلّ هذا التعظيم والإحترام لقبضة حجر أو كومة خشب؟ لماذا يخضع الإنسان - الذي هو أشرف المخلوقات - أمام ما صنعه بيده، ويطلب منه حلّ مشاكله ومعضلاته؟!
﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ﴾ الصور الممثلة ﴿الَّتِي﴾ لا تضر ولا تنفع تحقير لها وتوبيخ لهم ﴿أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ أي على عبادتها مقيمون وعدي باللام لتضمنه معنى العبادة أو للاختصاص.