على كلّ حال، فإنّ إبراهيم من دون أن يحذر من مغبّة هذا العمل وما سيحدث من غضب عبدة الأصنام العارم، دخل الميدان برجولةوتوجّه إلى حرب هذه الآلهة الجوفاء - التي لها أنصار متعصّبون جهّال - بشجاعة خارقة وحطّمها بصورة يصفها القرآن فيقول: (فجعلهم جذاذاً إلاّ كبيراً لهم) وكان هدفه من تركه (لعلّهم إليه يرجعون)(2).
ملاحظتان
1 - الصنميّة في أشكال متعدّدة
صحيح أنّ أذهاننا تنصرف من لفظ عبادة الأصنام إلى الأصنام الحجرية والخشبية على الأكثر، إلاّ أنّ الصنم والصنمية - من وجهة نظر - لها مفهوم واسع يشمل كلّ ما يُبعد الإنسان عن الله، بأي شكل وصورة كان، حيث يقول الحديث المعروف: "كلّما شغلك عن الله فهو صنمك".
وفي حديث عن الأصبغ بن نباتة - وهو أحد أصحاب الإمام علي (ع)المعروفين أنّه قال: انّ علياً (ع) مرّ بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لقد عصيتم الله ورسوله"(3).
2 - قول عبدة الأصنام وجواب إبراهيم
ممّا يلفت النظر أنّ عبدة الأصنام قالوا في جواب إبراهيم (ع)، إعتماداً على كثرتهم، وعلى طول الزمان: إنّا وجدنا آباءنا على هذا الدين.
فأجابهم على كلا الشقّين، بأنّكم كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين دائماً.
أي إنّ الإنسان العاقل الذي له تفكير مستقل لا يربط نفسه بمثل هذه الأوهام مطلقاً، فلا يعتبر كثرة الأنصار للمذهب المتداول دليلا على أصالته، وكذلك لا يعتنى بدوامه وتجذّره.
﴿ فَجَعَلَهُمْ﴾ بعد ذهابهم إلى عيدهم ﴿جُذَاذًا﴾ قطاعا قطعا وقرىء بالكسر ﴿إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ﴾ لم يكسره وعلق الفأس في عنقه ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ إلى إبراهيم رجاء ذلك لتفرده بسب آلهتهم فيبكتهم بقوله: بل فعله كبيرهم أو إلى الكبير فيسألونه عن الكاسر كما يرجع إلى الرب في المشاكل فيعلمون جهلهم.