ووسّع معلّم التوحيد دائرة الكلام، وإنهال بسياط التقريع على روحهم التي فقدت الإحساس، فقال: (أُف(5) لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)؟ إلاّ أنّه لم يلحّ في توبيخهم وتقريعهم لئلاّ يلجّوا في عنادهم.
في الحقيقة، كان إبراهيم يتابع خطّته بدقّة متناهية، فأوّل شيء قام به عند دعوتهم إلى التوحيد هو أن ناداهم قائلا: ما هذه التماثيل التي تعبدونها؟ وهي لا تحسّ ولا تتكلّم وإذا كنتم تقولون: إنّها سنّة آبائكم، فقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين.
وفي المرحلة الثّانية أقدم على خطّة عملية ليبيّن أنّ هذه الأصنام ليست لها تلك القدرة على إهلاك كلّ من ينظر إليها نظرة إحتقار، خاصة وأنّه ذهب إليها مع سابق إنذار وحطّمها تماماً، وليوضّح أنّ تلك الأوهام التي حاكوها مجتمعين لا فائدة ولا ثمر فيها.
وفي المرحلة الثّالثة أوصلهم في تلك المحكمة التاريخيّة إلى طريق مسدود، فمرّة دخل إليهم عن طريق فطرتهم، وتارةً خاطب عقولهم، وأُخرى وعظّهم، وأحياناً وبّخهم ولامهم.
والخلاصة، فإنّ هذا المعلّم الكبير قد دخل من كلّ الأبواب، وإستخدم كلّ طاقته، إلاّ أنّ من المسلّم أنّ القابلية شرط في التأثير، وكان هذا قليل الوجود بين اُولئك القوم للأسف.
ولكن لا شكّ أنّ كلمات إبراهيم(ع) وأفعالهِ بقيت كأرضيّة للتوحيد، أو على الأقل بقيت كعلامات إستفهام في أذهان اُولئك، وأصبحت مقدّمة ليقظة ووعي أوسع في المستقبل.
ويستفاد من التواريخ أنّ جماعة آمنوا به، وهم وإن قلّوا عدداً، إلاّ أنّهم كانوا من الأهميّة بمكان، إذ هيّأوا الإستعداد النسبي لفئة أُخرى.
﴿أُفٍّ﴾ صوت المتضجر بمعنى نتنا وقبحا ﴿لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بقبح فعلكم.