لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويقول الله سبحانه في آخر آية من الآيات محلّ البحث على سبيل الإستنتاج بإقتضاب: أنّهم تآمروا عليه ليقتلوه ولكن النتيجة لم تكن في صالحهم (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين). لا يخفى أنّ الوضع قد إختلف تماماً ببقاء إبراهيم سالماً، وخمدت أصوات الفرح، وبقيت الأفواه فاغرة من العجب، وكان جماعة يتهامسون علناً فيما بينهم حول هذه الظاهرة العجيبة، وأصبحت الألسن تلهج بعظمة إبراهيم وربّه، وأحدق الخطر بوجود نمرود وحكومته، غير أنّ العناد ظلّ مانعاً من قبول الحقّ، وإن كان أصحاب القلوب الواعية قد إستفادوا من هذه الواقعة، وزاد إيمانهم مع قلّتهم. بحوث 1 - السعي للخير والشرّ قد يغرق الإنسان أحياناً في عالم الأسباب حتّى يخيّل إليه أنّ الآثار والخواص من نفس هذه الموجودات، ويغفل عن المبدأ العظيم الذي وهب هذه الآثار المختلفة لهذه الموجودات، ومن أجل أن يوقظ الله العباد يشير إلى أنّ بعض الموجودات التافهة قد تصبح مصدراً للآثار العظيمة، فيأمر العنكبوت أن تنسج عدّة خيوط رقيقة ضعيفة على باب غار ثور، وتجعل الذين كانوا يطاردون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبحثون عنه في كلّ مكان يائسين من العثور عليه، ولو ظفروابه لقتلوه، ولتغيّر مجرى التأريخ بهذا الأمر الهيّن .. وعلى العكس من ذلك، فإنّه يعطّل الأسباب التي يضرب بها المثل في عالم المادّة - كالنّار في الإحراق، والسكّين في القطع - عن العمل، ليُعلم أنّ هذه أيضاً ليس لها أمر وقدرة ذاتية في العمل، فإنّها تقف عن العمل إذا نهاها ربّها الجليل فتكفّ حتّى لو أمرها إبراهيم الخليل(ع). إنّ الإلتفات إلى هذه الحقائق التي رأينا أمثلةً كثيرة لها في الحياة، تحيي في العبد المؤمن روح التوحيد والتوكّل حتّى أنّه لا يفكّر إلاّ في الله، ولا يطلب العون إلاّ منه، فيطلب منه - وحده - إطفاء نار المشاكل والمعضلات، ويسأله أن يدفع كيد الأعداء، فلا يرى غيره، ولا يرجو شيئاً من غيره. 2 - الفتى الشّجاع جاء في بعض كتب التّفسير أنّ إبراهيم لمّا اُلقي في النّار لم يكن عمره يتجاوز ست عشرة سنة(6) وذكر البعض الآخر أنّ عمره عند ذاك كان (26) سنة(7). وعلى كلّ حال فإنّه كان في عمر الشباب، ومع أنّه لم يكن معه أحد يعينه، فإنّه رمى بسهم المواجهة في وجه طاغوت زمانه الكبير الذي كان حامياً للطواغيت الآخرين، وهبّ بمفرده لمقارعة الجهل والخرافات والشرك، واستهزأ بكلّ مقدّسات المجتمع الخيالية الواهية، ولم يدع للخوف من غضب وإنتقام الناس أدنى سبيل إلى نفسه، لأنّ قلبه كان مغموراً بعشق الله، وكان إعتماده وتوكّله على الذات المقدّسة فحسب. أجل .. هكذا هو الإيمان، أينما وجد وجدت الشهامة، وكلّ من حلّ فيه فلا يمكن أن يُقهر! إنّ أهمّ الاُسس التي ينبغي للمسلمين الإهتمام بها لمقارعة القوى الشيطانية الكبرى في دنيا اليوم المضطربة، هو هذا الأساس والرأسمال العظيم، وهو الإيمان، ففي حديث عن الإمام الصادق (ع): "إنّ المؤمن أشدّ من زبر الحديد، إنّ زبر الحديد إذا دخل النّار تغيّر، وإنّ المؤمن لو قتل ثمّ نشر ثمّ قتل لم يتغيّر قلبه"(8). 3 - إبراهيم ونمرود جاء في التواريخ أنّه عندما ألقوا إبراهيم في النّار، كان نمرود على يقين من أنّ إبراهيم قد أصبح رماداً، أمّا عندما دقّق النظر ووجده حيّاً، قال لمن حوله: إنّي أرى إبراهيم حيّاً، لعلّي يخيّل إليّ! فصعد على مرتفع ورأى حاله جيداً فصاح نمرود: ياإبراهيم إنّ ربّك عظيم، وقد أوجد بقدرته حائلا بينك وبين النّار! ولذلك فإنّي اُريد أن اُقدّم قرباناً له، وأحضر أربعة آلاف قربان لذلك، فأعاد إبراهيم القول عليه بأنّ أي قربان - وأي عمل - لا يتقبّل منك إلاّ أن تؤمن أوّلا. غير أنّ نمرود قال في الجواب: فسيذهب سلطاني وملكي سُدىً إذن، وليس بإمكاني أن أتحمّل ذلك! على كلّ حال، فإنّ هذه الحوادث صارت سبباً لإيمان جماعة من ذوي القلوب الواعية بربّ إبراهيم(ع)، أو يزدادوا إيماناً، وربّما كان هذا هو السبب في عدم إظهار نمرود ردّ فعل قوي ضدّ إبراهيم، بل إكتفى بإبعاده عن أرض بابل(9). ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ هو تحريقه ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ فيما أرادوا به لانقلابه عليهم.