التّفسير
نجاة لوط من أرض الفجّار
لمّا كان لوط من أقرباء إبراهيم وذوي أرحامه، ومن أوائل من آمن به، فقد أشارت الآيتان بعد قصّة إبراهيم (ع) إلى جانب من إجتهاده وسعيه في طريق إبلاغ الرسالة، والمواهب التي منحها الله سبحانه له، فتقول: (ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً)(1).
لفظة (الحكم) جاءت في بعض الموارد بمعنى أمر النبوّة والرسالة، وفي موارد أُخرى بمعنى القضاء، وأحياناً، بمعنى العقل، ويبدو أنّ الأنسب هنا من بين هذه المعاني هو المعنى الأوّل، مع إمكانية الجمع بين هذه المعاني هنا.
والمراد من العلم كلّ العلوم التي لها أثر في سعادة ومصير الإنسان.
لقد كان لوط من الأنبياء العظام وكان معاصراً لإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل إلى فلسطين، ثمّ فارق إبراهيم وجاء إلى مدينة (سدوم) لأنّ أهلها كانوا غارقين في الفساد والمعاصي، وخاصّةً الإنحرافات الجنسية.
وقد سعى كثيراً من أجل هداية هؤلاء القوم، وتحمّل المشاق في هذا الطريق، إلاّ أنّه لم يؤثّر في اُولئك العُمي القلوب.
وأخيراً، نعلم أنّ الغضب والعذاب الإلهي قد حلّ بهؤلاء، وقلب عالي مدينتهم سافلها، واُهلكوا جميعاً، إلاّ عائلة لوط - بإستثناء امرأته - وقد بيّنا تفصيل هذه الحادثة في ذيل الآيات (77) وما بعدها من سورة هود.
ولذلك أشارت الآية إلى هذه الموهبة التي وهبت للوط، وهي (ونجّيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنّهم كانوا قوم سوء فاسقين).
إنّ نسبة الأعمال القبيحة إلى القرية والمدينة بدلا من أهل القرية إشارة إلى أنّ هؤلاء كانوا قد غرقوا في الفساد والمعاصي إلى درجة حتّى كأنّ أعمال الفساد والخبائث كانت تقطر من جدران مدينتهم وأبوابها.
والتعبير بـ"الخبائث" بصيغة الجمع، إشارة إلى أنّهم إضافة إلى فعل اللواط الشنيع، كانوا يعملون أعمالا قبيحة وخبيثة أُخرى، أشرنا إليها في ذيل الآية (الثامنة) من سورة هود.
والتعبير ب- "الفاسقين" بعد "قوم سوء" ربّما يكون إشارة إلى أنّ اُولئك كانوا فاسقين من وجهة نظر القوانين الإلهيّة، وحتّى مع قطع النظر عن الدين والإيمان، فإنّهم كانوا أفراداً حمقى ومنحرفين في نظر المعايير الإجتماعية بين الناس.
﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ فصلا بين الناس أو حكمة أو نبوة ﴿وَعِلْمًا﴾ بما يحتاج إلى العلم به ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ﴾ سدوم ﴿الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ﴾ أي أهلها ﴿الْخَبَائِثَ﴾ من اللواط وغيره ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ حال من قوم أو خبر ثان.