لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير قضاء داود وسليمان (عليهما السلام): بعد الحوادث والوقائع المتعلّقة بموسى وهارون وإبراهيم ونوح ولوط(عليهم السلام)، تشير هذه الآيات إلى جانب من حياة داود وسليمان، وفي البداية أشارت إشارة خفيّة إلى حادث قضاء وحكم صدر من جانب داود وسليمان، فتقول: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت(1) فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين). وبالرغم من أنّ القرآن قد ألمح إلى هذه المحكمة لمحة خفيّة، وإكتفى بإشارة إجمالية وإستخلاص النتيجة الأخلاقية والتربوية لها والتي سنشير إليها فيما بعد، إلاّ أنّه وردت بحوث كثيرة حولها في الرّوايات الإسلامية وأقوال المفسّرين. فقال جماعة: إنّ القصّة كانت كما يلي: إنّ قطيع أغنام لبعض الرعاة دخلت ليلا إلى بستان فأكلت أوراقه وعناقيد العنب منه فأتلفته، فرفع صاحب البستان شكواه إلى داود، فحكم داود بأن تعطى كلّ الأغنام لصاحب البستان تعويضاً لهذه الخسارة الفادحة، فقال سليمان - والذي كان طفلا آنذاك - لأبيه: يانبي الله العظيم، غيّر هذا الحكم وعدّله! فقال الأب: وكيف ذاك؟ قال: يجب أن تودع الأغنام عند صاحب البستان ليستفيد من منافعها ولبنها وصوفها، وتودع البستان في يد صاحب الأغنام ليسعى في إصلاحه، فإذا عاد البستان إلى حالته الأُولى يُردّ إلى صاحبه، وتردّ الأغنام أيضاً إلى صاحبها. وأيّد الله حكم سليمان في الآية التالية. وقد ورد هذا المضمون في رواية عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)(2). ويمكن أن يتصوّر عدم تناسب هذا التّفسير مع كلمة (حرث) التي تعني الزراعة، ولكن يبدو أنّ للحرث معنى واسعاً يشمل الزراعة والبستان، كما يستفاد ذلك من قصّة أصحاب الجنّة في سورة القلم، الآية 17 - 32. لكن تبقى هنا عدّة إستفهامات مهمّة: 1 - ماذا كان أساس ومعيار هذين الحكمين؟ 2 - كيف إختلف حكم داود عن حكم سليمان؟ فهل كانا يحكمان على أساس الإجتهاد؟ 3 - هل المسألة هذه كانت على هيئة تشاور في الحكم، أم أنّهما حكما بحكمين مستقلّين يختلف كلّ منهما عن الآخر؟! ويمكن الإجابة عن السؤال الأوّل: إنّ المعيار كان جبران الخسارة، فينظر داود إلى أنّ الخسارة التي أصابت الكرم تعادل قيمة الأغنام، ولذلك حكم بوجوب إعطاء الأغنام لصاحب البستان جبراً للخسارة، لأنّ التقصير من جانب صاحب الأغنام. وينبغي الإلتفات إلى أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات أنّ على صاحب الأغنام أن يمنع غنمه من التعدّي على زرع الآخرين في الليل، كما أنّ من واجب صاحب الزرع حفظ زرعه في النهار(3). أمّا معيار حكم سليمان(ع) فقد كان يرى أنّ خسارة صاحب البستان تعادل ما سينتفع به من الأغنام لسنة كاملة! بناءً على هذا فإنّ الإثنين قد قضيا بالحقّ والعدل، مع فارق أنّ حكم سليمان كان أدقّ، لأنّ الخسارة لا تدفع مرّة واحدة في مكان واحد، بل تؤدّي بصورة تدريجيّة بحيث لا تثقل على صاحب الغنم أيضاً. وإضافةً إلى ما مرّ، فقد كان هناك تناسب بين الخسارة والجبران، لأنّ جذور النباتات لم تتلف، بل ذهبت منافعها المؤقتة، ولذلك فإنّ من الأعدل ألاّ تنقل اُصول الأغنام إلى ملك صاحب البستان، بل تنقل منافعها فقط. ونقول في جواب السؤال الثّاني: لا شكّ أنّ حكم الأنبياء مستند إلى الوحي الإلهي، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ وحياً خاصّاً ينزل في كلّ مورد من موارد الحكم، بل إنّ الأنبياء يحكمون حسب القواعد الكليّة التي تلقّوها من الوحي. بناءً على هذا فإنّه لا توجد مسألة الإجتهاد النظري بمعناها الإصطلاحي، وهو الإجتهاد الظنّي، ولكن لا مانع من أن يكون هناك طريقان لإيجاد ضابطة كليّة، وأن يكون نبيّان كلّ منهما يرى أحد الطريقين، وكلاهما صحيح في الواقع، وكان الموضوع الذي عالجناه في بحثنا - على سبيل الإتّفاق - من هذا القبيل كما بيّناه آنفاً بتفصيل. وكما أشار القرآن إليه، فإنّ الطريق الذي إختاره سليمان(ع) كان أقرب من الناحية التنفيذيّة، وجملة (وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً) والتي ستأتي في الآية التالية، شاهدة على صحّة كلا القضاءين. ونقول في جواب السؤال الثّالث: لا يبعد أن يكون الأمر على هيئة تشاور، وهو التشاور الذي يحتمل أن يكون لتعليم سليمان وتأهيله في أمر القضاء، والتعبير ب- (حكمهم) شاهد أيضاً على وحدة الحكم النهائي، بالرغم من وجود حكمين مختلفين في البداية. (فتأمّلوا بدقّة). ونقرأ في رواية عن الإمام الباقر (ع) في تفسير هذه الآية أنّه قال: "لم يحكما، إنّما كانا يتناظران"(4). ويستفاد من رواية أُخرى رويت في اُصول الكافي عن الإمام الصادق (ع)أنّ هذه القضيّة حدثت لتعيين وصيّ داود وخليفته وأن يتعلّم اُولئك النفر منهما أيضاً(5). ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ﴾ الزرع والكرم ﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ رعته ليلا ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ لحكم الحاكمين والخصوم عالمين حكم داود بالغنم لأهل الحرث وقال سليمان ينتفع أهل الحرث بدرها ونسلها وصوفها ويقوم أهلها على الحرث حتى يعود كما كان ثم يترادان وحكمهما بوحي من الله والثاني ناسخ للأول.