وأخيراً فإنّ جملة (وأنت خير الوارثين) تعبّر عن حقيقة أنّه يعلم أنّ هذه الدنيا ليست دار بقاء، ونعلم أنّ الله خير الوارثين، ولكنّه يبحث - من جهة عالم الأسباب - عن سبب يوصله إلى هذا الهدف .. فاستجاب الله هذا الدعاء الخالص المليء بعشق الحقيقة، وحقّق اُمنيته وما كان يصبوا إليه، كما تقول الآية: (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى) ومن أجل الوصول إلى هذا المراد أصلحنا زوجته وجعلناها قادرة على الإنجاب (وأصلحنا له زوجه).
ثمّ أشار الله سبحانه إلى ثلاث صفات من الصفات البارزة لهذه الاُسرة فقال: (إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً(1) وكانوا لنا خاشعين)والخشوع هو الخضوع المقرون بالإحترام والأدب، وكذلك الخوف المشفوع بالإحساس بالمسؤولية.
إنّ ذكر هذه الصفات الثلاث ربّما تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء عندما يصلون إلى النعمة فلا يبتلون بالغفلة والغرور كما في الأشخاص الماديين من ضعفاء الإيمان، فهؤلاء لا ينسون الضعفاء المحتاجين على كلّ حال، ويسارعون في الخيرات، ويتوجّهون إلى الله سبحانه في حال الفقر والغنى، والمرض والصحّة، وأخيراً فإنّهم لا يبتلون بالكبر والغرور عند إقبال النعمة، بل كانوا خاشعين خاضعين أبداً.
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى﴾ ولدا ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ بجعلها ولودا بعد عقمها أو بتحسين خلقها وكان سيئا ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي زكريا وأهله ومن ذكر من الأنبياء ﴿كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ راغبين في ثوابنا وراهبين من عقابنا ﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ خاضعين.