التّفسير
اُمّة واحدة:
لمّا ورد في الآيات السابقة أسماء جمع من أنبياء الله، وكذلك مريم، تلك المرأة التي كانت مثلا أسمى، وجانب من قصصهم، فإنّ هذه الآيات تستخلص نتيجة ممّا مرّ، فتقول: (إنّ هذه اُمّتكم اُمّة واحدة) فقد كان منهجهم واحداً، وهدفهم واحداً بالرغم من إختلافهم في الزمان والمحيط والخصائص والأساليب والطرائق، فهم كانوا يسيرون في منهج واحد ويمضون جميعاً في طريق التوحيد ومحاربة الشرك ودعوة الناس إلى الإيمان بالله والحقّ والعدالة.
إنّ توحيد ووحدة الخطط والأهداف هذه تعود إلى أنّها جميعاً تصدر عن مصدر واحد، عن إرادة الله الواحد، ولهذا تقول الآية مباشرةً: (وأنا ربّكم فاعبدون).
إنّ توحيد الأنبياء الإعتقادي في الواقع يقوم على أساس وحدة منبع الوحي، وهذا الكلام يشبه كلام الإمام علي (ع) في وصيته لولده الإمام المجتبى (ع) حيث يقول: "واعلم يابني أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولعرفت أفعاله وصفاته"(1).
"الاُمّة" - كما يقول الراغب في مفرداته - تعني كلّ جماعة تربطهم جهة مشتركة، الإشتراك في الدين، أو الزمن والعصر الواحد، أو المكان المعيّن، سواء كانت هذه الوحدة إختيارية أو بدون إختيار.
وإعتبر بعض المفسّرين الاُمّة الواحدة هنا بمعنى الدين الواحد، ولكن كما قلنا أنّ هذا التّفسير لا يتناسب والأصل اللغوي للاُمّة.
وقال البعض الآخر: إنّ المراد من الاُمّة هنا كلّ البشر وفي جميع الأعصار، أي إنّكم أيّها البشر اُمّة واحدة، ربّكم واحد، وهدفكم الأخير واحد.
إنّ هذا التّفسير وإن كان أكثر إنسجاماً من التّفسير السابق، ولكنّه لا يبدو مناسباً بملاحظة إرتباط هذه الآية بالآيات السابقة، بل الأنسب منها جميعاً أن تكون هذه الجملة إشارة إلى الأنبياء الذين مرّ ذكرهم في الآيات السابقة.
﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ أي ملة الإسلام ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ حال أي مجتمعة غير متفرقة ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ﴾ لا غيري ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ وحدي.