هل المراد من فتح هاتين الطائفتين تحطيم السدّ، ونفوذهما عن هذا الطريق إلى مناطق العالم الاُخرى؟ أم المراد نفوذهما في الكرة الأرضية من كلّ حدب وصوب؟ لم تتحدّث الآية عن ذلك بصراحة، بل ذكرت إنتشارهم وتفرّقهم في الكرة الأرضية كعلامة لنهاية العالم ومقدّمة للبعث والقيامة، فتقول مباشرةً: (واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصةً أبصار الذين كفروا).
لأنّ الرعب يسيطر على وجودهم إلى حدّ أنّ عيونهم تتوقّف عن الحركة وتصبح جاحظة لدى نظرهم إلى تلك الحوادث.
في هذه الأثناء ترفع عن أبصارهم حجب الغفلة والغرور، فيرتفع صوتهم: (ياويلنا قد كنّا في غفلة من هذا).
ولمّا كانوا لا يقدرون على تغطية ذنبهم بهذا العذر ليبرّئوا أنفسهم، فإنّهم يقولون بصراحة: (بل كنّا ظالمين).
كيف يمكن عادةً مع وجود كلّ هؤلاء الأنبياء، والكتب السماوية، وكلّ هذه الحوادث المثيرة والعبر والدروس أن يكونوا في غفلة؟ إنّ ما صدر من هؤلاء تقصير وظلم لأنفسهم وللآخرين.
معنى بعض الكلمات:
"حدب" على زنة "أدب" معناه ما إرتفع من الأرض بين منخفضاتها، وقد يطلق على ما إرتفع وبرز من ظهر الإنسان أيضاً.
"ينسلون" من مادّة "نسول" (على وزن فضول)، أي الخروج بسرعة.
وما قيل في شأن يأجوج ومأجوج إنّهما يمرّان بسرعة على المرتفعات إشارة إلى نفوذهم الخارق في الكرة الأرضية.
"شاخصة" من الشخوص، وهو في الأصل الخروج من المنزل، أو الخروج من مدينة إلى أُخرى، ولمّا كانت العين عند التعجّب والدهشة كأنّها تريد الخروج من الحدقة، فقد قيل لذلك "شخوص" إنّ هذه هي حالة المذنبين العاصين في القيامة يصبحون حائرين كأنّ أعينهم تريد أن تخرج من أحداقهم.
﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ أي القيامة ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قائلين ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا﴾ الأمر ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ لأنفسنا بعبادة الأوثان وترك النظر.