ولمزيد الإيضاح عن حال هؤلاء "العابدين الضالّين" المؤلمة المخزية قبال "آلهتهم الحقيرة"، تقول الآية محلّ البحث: (لهم فيها زفير وشهيق).
"الزفير" في الأصل يعني الصراخ المقترن بإخراج النفس.
وقال بعضهم: إنّ صوت الحمار وصراخه المنكسر يسمّى في البداية زفيراً، وفي آخره شهيقاً.
وعلى كلّ حال فإنّه استُعمل هنا إشارة إلى الصراخ أو الضجيج المنبعث من الحزن وشدّة الكرب(3).
كما يحتمل أنّ هذا الزفير أو الأنين المؤلم لا يكون مقتصراً على العباد فحسب، بل إنّ معبوداتهم من الشياطين أيضاً يصطرخون معهم.
ثمّ تذكّر الجملة التالية أحد العقوبات الاُخرى المؤلمة لهؤلاء، وهي (وهم فيها لا يسمعون).
وهذه الجملة قد تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء لا يسمعون الكلام الذي يسرّهم ويبهجهم، بل يسمعون أنين أهل جهنّم المؤلم المنغّص وصراخ ملائكة العذاب فقط.
وقال بعضهم: إنّ المراد هو أنّ هؤلاء يوضعون في توابيت من نار بحيث لا يسمعون صوت أي أحد أبداً، فكأنّهم لوحدهم في العذاب، وهذا بنفسه يعتبر عقوبة أشدّ، لأنّ الإنسان إذا رأى معه بعض المسجونين فستهون عليه المصيبة، و "البليّة إذا عمّت طابت"، كما في المثل.
﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ تنفس بشدة ونسب إلى الكل تغليبا لغير الجماد ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ ما يسرهم أو شيئا لشدة العذاب، قيل لما نزلت قال ابن الزبعرى قد عبد عزير وعيسى والملائكة فهم في النار فقال النبي إنما عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك ونزل.