لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير سيحكم الصالحون الأرض: بعد أن أشارت الآيات السابقة إلى جانب من ثواب المؤمنين الصالحين، فقد أشارت السورة في هاتين الآيتين إلى أحد أوضح المكافآت الدنيويّة لهؤلاء، فتقول: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر انّ الأرض يرثها عبادي الصالحون). وكلمة "الأرض" تطلق على مجموع الكرة الأرضية، وتشمل كافّة أنحاء العالم إلاّ أن تكون هناك قرينة خاصّة في الأمر، ومع أنّ البعض إحتمل أن يكون المراد وراثة كلّ الأرض في القيامة، إلاّ أنّ ظاهر كلمة الأرض عندما تذكر بشكل مطلق تعني أرض هذا العالم. ولفظ "الإرث" - كما أشرنا إلى ذلك سابقاً - يعني إنتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد إستعملت هذه الكلمة في القرآن أحياناً بمعنى تسلّط وإنتصار قوم صالحين على قوم طالحين، والسيطرة على مواهبهم وإمكانياتهم، كما نقرأ في الآية (37) من سورة الأعراف في شأن بني إسرائيل: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها). وبالرغم من أنّ "الزبور" في الأصل يعني كلّ كتاب ومقال، ومع أنّ موضعين من المواضع الثلاثة التي إستعملت فيها هذه الكلمة في القرآن يشيران إلى زبور داود، فلا يُستبعد أن يكون المورد الثّالث، أي ما ورد في الآية محلّ البحث إشارة إلى هذا المعنى أيضاً. إنّ زبور داود - أو بتعبير كتب العهد القديم (مزامير داود) - عبارة عن مجموعة أدعية النّبي داود ومناجاته ونصائحه ومواعظه. وإحتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الزبور هنا كلّ كتب الأنبياء السابقين(1). ولكن يبدو على الأغلب - مع ملاحظة الدليل الذي ذكرناه - أنّ الزبور هو كتاب مزامير داود فقط، خاصةً وأنّ في المزامير الموجودة عبارات تطابق هذه الآية تماماً، وسنشير إلى ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. "والذكر" في الأصل يعني التذكير أو ما يسبّب التذكير والتذكّر، وإستعملت هذه الكلمة في القرآن بهذا المعنى، واُطلقت أحياناً على كتاب موسى السماوي، كالآية (48) من سورة النساء: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكراً للمتّقين). وإستعملت أحياناً في شأن القرآن، كالآية (27) من سورة التكوير: (إن هو إلاّ ذكر للعالمين) ولذلك قال البعض: إنّ المراد من الذكر - في الآية مورد البحث - هو القرآن، والزبوركلّ كتب الأنبياء السابقين، أي إنّنا كتبنا في كلّ كتب الأنبياء السابقين إضافةً إلى القرآن بأنّ الصالحين سيرثون الأرض جميعاً. لكن ملاحظة التعبيرات التي إستعملت في الآية توضّح أنّ المراد من الزبور كتاب داود، والذكر بمعنى التوراة، ومع ملاحظة أنّ الزبور كان بعد التوراة، فإنّ تعبير (من بعد) حقيقي، وعلى هذا فإنّ معنى الآية: إنّنا كتبنا في الزبور بعد التوراة أنّنا سنورث العباد الصالحين الأرض. وهنا ينقدح سؤال، وهو: لماذا ذكر هذان الكتابان من بين الكتب السماوية؟ ربّما كان هذا التعبير بسبب أنّ داود كان أحد أكبر الأنبياء، وإستطاع أن يشكّل حكومة الحقّ والعدل، وكان بنو إسرائيل مصداقاً واضحاً للقوم المستضعفين الذين ثاروا بوجه المستكبرين ودمّروا دولتهم واستولوا على حكومتهم وورثوا أرضهم. والسؤال الآخر الذي يُثار هنا هو: من هم عباد الله الصالحون؟ إذا لاحظنا إضافة العباد إلى الله ستتّضح مسألة إيمان هؤلاء وتوحيدهم، وبملاحظة كلمة الصالحين التي لها معنى واسع، فستخطر على الذهن كلّ المؤهّلات، الأهليّة من ناحية التقوى، والعلم والوعي، ومن جهة القدرة والقوّة، ومن جانب التدبير والتنظيم والإدراك الإجتماعي. عندما يهيء العباد المؤمنون هذه المؤهّلات والأرضيات لأنفسهم، فإنّ الله سبحانه يساعدهم ويعينهم ليمرغوا اُنوف المستكبرين في التراب، ويقطعوا أيديهم الملوّثة، فلا يحكمون أرضهم بعدُ، بل تكون للمستضعفين، فيرثونها، فبناءً على ذلك فإنّ مجرّد كونهم مستضعفين لا يدلّ على الإنتصار على الأعداء وحكم الأرض، بل إنّ الإيمان لازم من جهة، وإكتساب المؤهّلات من جهة أُخرى، وما دام مستضعفو الأرض لم يُحيوا هذين الأصلين فسوف لا يصلون إلى وراثة الأرض وحكمها. ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ﴾ جنس أي الكتب المنزلة ﴿مِن بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ أي أم الكتاب وهو اللوح وقيل الزبور كتاب داود والذكر التوراة ﴿أَنَّ الْأَرْضَ﴾ أرض الجنة أو الدنيا ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ المطيعون أو أمة محمد بالفتوح، وقال الباقر (عليه السلام) هم أصحاب المهدي.