وتتحدّث آخر آية هنا - وهي آخر آية من سورة الأنبياء - كالآية الأُولى من هذه السورة عن غفلة الناس الجهّال، فتقول حكاية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عبارة تشبه اللعن، وتعكس معاناته (صلى الله عليه وآله وسلم) من كلّ هذا الغرور والغفلة، وتقول: إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد مشاهدة كلّ هذا الإعراض (قال ربّ احكم بالحقّ)(3).
وفي الجملة الثّانية يوجّه الخطاب إلى المخالفين ويقول: (وربّنا الرحمن المستعان على ما تصفون).
إنّه في الحقيقة ينبّه هؤلاء بكلمة (ربّنا) إلى هذه الحقيقة، وهي أنّنا جميعاً مربوبون ومخلوقون، وهو ربّنا وخالقنا جميعاً.
والتعبير ب- "الرحمن"، والذي يشير إلى الرحمة العامّة، يعيد إلى أسماع هؤلاء أنّ الرحمة الإلهية قد عمّت كلّ وجودنا، فلماذا لا تفكّروا لحظة في خالق كلّ هذه النعمة والرحمة؟
وتعبير (المستعان على ما تصفون) يحذّر هؤلاء بأن لا تظنّوا أنّا وحيدون أمام جمعكم وكثرته، ولا تتصوّروا أنّ كلّ إتهاماتكم وأكاذيبكم، سواء كانت على ذات الله المقدّسة، أو علينا، ستبقى بدون جواب وجزاء، كلاّ مطلقاً، فإنّه تعالى سندنا ومعتمدنا جميعاً، وهو قادر على أن يدافع عن عباده المؤمنين أمام كلّ أشكال الكذب والإفتراء والإتّهام.
اللهمّ لا تدعنا وحدنا قبال الشرق والغرب اللذين صمّما جميعاً على إبادتنا، بل نسألك أن تنصرنا كما نصرت نبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه وهم قلّة ولم تدعهم وحدهم قبال كثرة الأعداء.
اللهمّ إنّك قد بيّنت في هذه السورة المباركة رحمتك الخاصّة على الأنبياء في الشدائد والأزمات وعند تقلّبات الحياة ومصاعبها.
اللهمّ وإنّنا مبتلون في عصرنا وزماننا بمثل تلك الشدائد والأزمات، وانّا لنرجو رحمتك التي خصّصت بها أنبياءك وعبادك الصالحين، فارحمنا وفرّج عنّا.. آمين ربّ العالمين
نهاية سورة الأنبياء
﴿قَالَ رَبِّ احْكُم﴾ بيني وبين مكذبي ﴿بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ﴾ ذو الرحمة البالغة ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾ المسئول المعونة ﴿عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ من شرككم وكذبكم على الله بنسبة الولد إليه وعلى رسوله بأنه ساحر وعلى القرآن بأنه سحر.