﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ في شك ﴿مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم﴾ أي فنظركم في بدء خلقكم يزيل ريبكم فإنا خلقنا أصلكم آدم أو ما يتكون منه المني ﴿مِّن تُرَابٍ ثُمَّ﴾ خلقنا نسله ﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾ مني ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ دم جامد ﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ لحمة قدر ما يمضغ ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ تامة الخلق وغير تامة الخلق أو مصورة ﴿لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ بالتخطيط وغير مصورة بتقليبكم قدرتنا فإن من قدر عليه أولا قدر على إعادتكم ثانيا ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو وقت وضعه ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ حال ووحد إرادة للجنس أو كل واحد منكم ﴿ثُمَّ﴾ نربيكم شيئا فشيئا ﴿لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ كمال قوتكم جمع شدة كأنعم لنعمة وهو من ثلاثين سنة إلى أربعين أو الحلم ﴿وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى﴾ عند بلوغ الأشد أو قبيله ﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ أردئه وهو الهرم والخرف ﴿لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ ليصير كالطفل في النسيان وسوء الفهم ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾ دارسة يابسة من همد الثوب بلي ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ﴾ تحركت بالنبات ﴿وَرَبَتْ﴾ انتفخت ﴿وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ﴾ بعض كل صنف ﴿بَهِيجٍ﴾ حسن نضر.
التّفسير
دليل المعاد في عالم الأجنّة والنبات:
بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك المخالفين للمبدأ والمعاد، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات المعاد الجسماني: أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين، والآخر هو التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات.
والقرآن شرح صوراً للمعاد ممّا يلمسه الناس في هذه الدنيا، ويرونه باُمّ أعينهم، إلاّ أنّهم لم ينتبهوا لذلك، ليعلموا أنّ الحياة بعد الموت ليست ضرباً من الخيال، بل هي حادثة فعلا مشهودة للعيان، والخطاب القرآني يعمّ جميع الناس بنوره (ياأيّها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة)(1) كلّ ذلك من أجل أن نوضّح لكم حقيقة قدرتنا على القيام بأي عمل (لنبيّن لكم).
فتبقى الأجنّة في الأرحام إلى مدّة معلومة نحن نحدّدها لتمرّ بمراحل تكاملها.
ونسقط ما نريد منها فنخرجها من الأرحام في وسط الطريق قبل أن تكمل (ونُقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى) ثمّ تبدأ الأجنّة مرحلة تطوّر جديدة.
لنخرجكم أطفالا من أرحام اُمّهاتكم.
(ثمّ نخرجكم طفلا) وبهذا تنتهي مرحلة حياتكم المحدّدة في بطون اُمّهاتكم.
فتضعون أقدامكم في محيط أوسع مملوء بالنور والصفاء، وإمكانات واسعة جدّاً، إلاّ أنّ تكاملكم يستمرّ في قطع المسافات بسرعة لتبلغوا الهدف، ألا وهو الرُّشد والكمال الجسمي والعقلي.
(ثمّ لتبلغوا أشدّكم).
وهنا يتبدّل الجهل إلى علم، والضعف إلى قوّة، والتبعيّة إلى الإستقلال، لكن مسيرة حياتكم تطوى وتستمر فبعضكم يودّع الحياة بينما يستمرّ آخرون حتّى المرحلة الأخيرة من الحياة، أي مرحلة الشيخوخة بعد تكاملهم: (ومنكم من يتوفّى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر).
أجل، فالمرء يصل إلى مرحلة لا يتذكّر فيها شيئاً، حيث يسيطر عليه النسيان، ويصبح في وضع وكأنّه طفل (لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً) وهذا الضعف والخمول دليل على بلوغ المرء مرحلة إنتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الإنفصال.
وهذه التغيّرات المدهشة المتلاحقة التي تتحدّث عن قدرة الله تعالى غير المحدودة، توضّح أنّ إحياء الموتى يسير على الله جلّت عظمته.
وهناك بحوث تعرض لمراحل الحياة المختلفة هذه، سنذكرها في الملاحظات القادمة.
ثمّ تتناول الآية بيان الدليل الثّاني أي حياة النباتات، فتبيّن ما يلي: تنظر إلى الأرض في فصل الشتاء فتجدها جافّة وميتة، فإذا سقط المطر وحلّ الربيع، دبّت الحياة والحركة فيها ونبتت أنواع النباتات فيها ونمت (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج)(2).