لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
4 - إنّ كلّ هذا لتعلموا أنّ ساعة نهاية هذا العالم وبداية عالم آخر، ستحلّ بلا شكّ فيها (وإن الساعة آتية لا ريب فيها). 5 - ثمّ إنّ كلّ هذا مقدّمة لنتيجة أخيرة هي (وأنّ الله يبعث من في القبور). وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة، وبعضها ذو المقدّمة، البعض منها إشارة إلى الإمكان، والآخر إشارة إلى الوقوع، ومترتّبة بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة، هي أنّ البعث ليس ممكن فحسب، بل إنّه سيقع حتماً. فالذين يشكّون في إمكان الحياة بعد الموت يشاهدون الصور المشابهة لها في حياة البشر والنباتات باُمّ أعينهم. وهي تتكرّر كلّ يوم وكلّ عام. وإذا شكّوا في قدرة الله فإنّ قدرة الله جعلتهم يشاهدون أمثلة بارزة لها بأعينهم. ألم يخلق الإنسان من تراب؟ ألا نشاهد كلّ عام احياء الأرض الميتة؟ فهل عجيب أمر حياة الأموات ثانية ونهوضهم من تراب؟ وإن شكّوا في وقوع مثل هذه الاُمور، فعليهم أن يعلموا أنّ النظام المسيطر على الخلق في العالم يدلّ على وجود هدف له، وإلاّ فإنّه باطل تافه، والحياة القصيرة المملوءة بالآلام وخيبة الآمال غير جديرة بأن تكون هي الهدف الأخير لعالم الخلق. وعلى هذا يجب أن يكون هناك عالم آخر، وسيع، خالد، جدير بأن يعدّ هدفاً للخلق. بحوث 1 - مراحل حياة الإنسان السبع الآيات السابقة شرحت حركة الإنسان في مسيرة ذات مراحل سبع، لتبيّن البعث وتثبت إمكانه: المرحلة الأُولى: عندما كان الإنسان تراباً، وقد يراد به التراب الذي خلق منه آدم (ع). كما قد يكون إشارة إلى أنّ جميع البشر - من تراب، لأنّ جميع المواد الغذائية التي تكوّن النطفة وغذاءها - من بعد - من تراب. ولا شكّ في أنّ الماء يشكّل جزءاً ملحوظاً من جسم الإنسان، والجزء الآخر من الأوكسجين والكاربون، وليس من التراب، إلاّ أنّ العنصر الأساس الذي تتشكّل منه أعضاء الجسم مصدره التراب. إذن عبارة خلق الإنسان من تراب صحيحة حتماً. المرحلة الثّانية: (النطفة): يتحوّل التراب، هذا الموجود البسيط المهمل العديم الحسّ والحركة، يتحوّل إلى نطفة تتألّف من أحياء مجهولة مثيرة تسمّى عند الرجل "أسپر" أو الحيمن وعند المرأة "أوول" أو البويضة وهي غاية في الصغر حتّى أنّها تبلغ الملايين في نطفة الرجل! والمثير أنّ الإنسان يواصل عقب ولادته حركة تدريجيّة هادئة، تأخذ في الغالب شكل "التكامل الكمّي" في الوقت الذي كانت حركته في الرحم "كيفيّة" ترافقها طفرات سريعة مغيّرة. والتغيّرات المتعاقبة للجنين في الرحم مدهشة إلى درجة يمكن تشبيهها بحشرة صغيرة بسيطة تتطوّر بعد أشهر قليلة إلى طائرة نفّاثة! وقد تطوّرت وتوسّعت الدراسات عن "علم الأجنة" اليوم بحيث تمكّن علماؤه من دراسة الجنين في مراحله المختلفة، وكشفوا عن أسرار هذه الظاهرة العجيبة في عالم الوجود. وعرضوا النتائج الباهرة التي توصّلوا إليها في دراساتهم عن الجنين. وفي المرحلة الثّالثة يصبح الجنين علقة، وتكون خلاياه كحبّات التوت، بشكل قطعة دم خاثر متلاصقة، يطلق عليها علميّاً "مورولا". وبعد مضي مدّة قصيرة تظهر أخاديد التقسيم الصغيرة كبداية لتقسيم أجزاء الجنين، ويطلق على الجنين في هذه المرحلة اسم "لاستولا". وفي المرحلة الرّابعة يتّخذ الجنين شكل قطعة لحم ممضوغ، دون أن تتّضح معالم الأعضاء فيه. وفجأةً تحدث تغييرات في قشرة "الجنين" وتتّخذ شكلا يلائم العمل المطلوب منه القيام به، فتظهر أعضاء الجسم تدريجيّاً، ويسقط كلّ جنين لا يمكنه المرور بهذه المرحلة، ويمكن أن تكون عبارة (مخلّقة وغير مخلّقة)إشارة إلى هذه المرحلة، أي أنّ الجنين يكون "كامل الخلقة" أو "ناقص الخلقة". ومن المثير أنّ القرآن المجيد ذكر عبارة (لنبيّن لكم) بعد ذكر هذه المراحل الأربع، مؤكّداً أنّ هذه التغييرات السريعة المدهشة التي تغيّر قطرة ماء صغيرة إلى إنسان كامل، لدليل واضح على أنّ الله قادر على كلّ شيء. ثمّ أشار القرآن الكريم إلى مرحلة الجنين الخامسة والسّادسة والسّابعة، التي تلي الولادة أي "الطفولة" و "البلوغ" و "الشّيخوخة"(5). والجدير بالذكر أنّ ولادة الإنسان - من التراب - كائناً حيّاً، قفزة كبيرة، ومراحل الجنين المختلفة قفزات متعاقبة، وولادة الإنسان من بطن اُمّه قفزة مهمّة جدّاً، وهكذا البلوغ والشيخوخة. وتعبير القرآن عن يوم القيامة بالبعث، قد يكون إشارةً إلى مفهوم القفزة ذاتها التي تحدث يوم البعث أيضاً. وما أجدرنا بالإنتباه إلى أنّ القرآن تحدّث عن مراحل تكوّن الجنين قبل أن يظهر علم الأجنّة، وحديثه عنها في ذلك الزمن دليل حيّ على أنّ هذا الكتاب العظيم إنّما هو وحي يُوحى من قُدرة قادرة هي التي أبدعت الطبيعة وما وراءها. 2 - المعاد الجسماني ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم أينما تحدث عن البعث قصد بعث الإنسان جسماً وروحاً في العالم الاُخروي، والذين حصروا البعث في الروح وقالوا ببقائها هي وحدها لم يفقهوا آيات القرآن قطّ. فهذه الآيات المباركة كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. وإلاّ فما هو وجه التشابه بين المعاد الروحي، ومراحل الجنين وإحياء الأرض الموات بنمو النباتات؟ ويؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن بصددها إذ تقول: (وإنّ الله يبعث من في القبور) والقبر موضع جسم الإنسان وليس روحه. وأساساً فانّ تعجّب المشركين إنّما هو من البعث الجسماني، فهم يقولون: كيف يمكن للإنسان أن يعود للحياة ثانية بعد ما صار تراباً؟ وبقاء الروح لم يكن شيئاً عجباً، لأنّه كان موضع قبول ورضى الأقوام الجاهلية. 3 - ما هو "أرذل العمر"؟ "الأرذل" مشتقّة من "رذل" أي المنحطّ وغير المرغوب فيه. ويقصد ب- "أرذل العمر" تلك المرحلة من عمر الإنسان التي هي أكثر إنحطاطاً وغير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة والذاكرة، ولما يغلبه فيها من الضعف والإنفعال، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء، ويرضى ويفرح لا يسر شيء، ويفقد سعة صدره وصبره، وربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه وبين الطفل وهو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك، لأنّه ليس طفلا، مضافاً إلى أنّ الطفل يؤمل في أن يكبر وينضج جسديّاً ونفسيّاً وتزول عنه هذه الحركات الصبيانية، لهذا يتركوا أحراراً في ممارستها، وليس كذلك في الفرد المسنّ، أي أنّ الطفل ليس لديه شيء ليفقده، ولكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. وعلى هذا فإنّ وضع الشيوخ المعمّرين يثير الشفقة والأسى عند مقارنته بوضع الأطفال. وجاء في بعض الأحاديث أنّ أرذل العمر هو الذي يبلغ مئة عام وأكثر(6) وقد تعني هذه العبارة نوع الأشخاص، وإلاّ فهناك من يبلغ هذه الحالة وسنّهم أقل من مئة عام. كما أنّ هناك أشخاصاً تجاوزت أعمارهم مئة عام وهم بكامل وعيهم وذكائهم. وتندر مشاهدة من يصابون بهذه الحالة بين العلماء الذين شغلتهم المعارف والبحوث. وما أولانا بدعاء الله تعالى أن يحفظنا من هذه الحالة! وما أجدرنا أن ننهي غرورنا وغفلتنا بمجرد الفكر بهذه العاقبة! علينا أن نفكّر ماذا كنّا وعلى ماذا أصبحنا وماذا سنكون؟ ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ﴾ هذان سببان غائيان لخلق الإنسان وما يتعيش به فإنه إنما خلق وكلف لجزاء الآخرة ولا يصل إليه إلا ببعثه في الساعة وما سبق من حقيته تعالى وإحياء الموتى وعموم قدرته فأسبأب فاعليته لذلك.