لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وأشارت آخر الآية هنا إلى ستّ فئات، إحداها مسلمة مؤمنة، وخمس منها غير مسلمة (إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنّ الله يفصل بينهم يوم القيامة). أليس يوم الفصل من أسماء يوم القيامة! حيث يفصل الله سبحانه وتعالى، فيه بين الحقّ والباطل، يوم تبلى فيه السرائر، وتنتهي فيه الخلافات. (إنّ الله على كلّ شيء شهيد). بحوث 1 - إرتباط الآيات ترتبط هذه الآية بالآيات التي سبقتها، حيث تناولت الآية التي قبلها الهداية الربّانية لمن كان قابلا للهداية، ولكن بما أنّ قلوب الناس ليست على نمط واحد، بسبب وجود التعقّب والعناد والتقليد الأعمى لا يسمح للقلوب بالإهتداء، لذا يبقى التحزّب والخلاف إلى يوم القيامة الذي يكشف فيه عن الأسرار ويتجلّى الحقّ للجميع. مضافاً إلى أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن ثلاث فئات: اُولاهما تجادل في الله وفي يوم البعث بغير دليل، وثانيها تضلّل الناس، وثالثها ضعاف الإيمان الذين يميلون كلّ مرّة إلى جهة. لذا فقد أشارت هذه الآية إلى نماذج من هذه الفئات التي تجابه المؤمنين. ثمّ أنّ الآيات السابقة تضمنّت سؤالا هو: ما الهدف من المعاد؟ وقد بيّنت الآية - موضع البحث - أحد أهداف المعاد، وهو إنهاء الخلافات والعودة إلى الوحدة. 2 - من هم المجوس؟ جاءت كلمة "المجوس" مرّة واحدة في هذه الآيات بجانب الأديان السماوية الاُخرى وفي مقابل المشركين، وهذا دليل على أنّ لهم ديناً ونبيّاً وكتاباً. وتطلق كلمة "المجوس" اليوم على أتباع "زرادشت" أو أنّ أتباع زرادشت يشكّلون جزءاً مهمّاً منهم، وحياة "زرادشت" ليست واضحة تماماً، فقد قيل: إنّه ظهر في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وقيل: في القرن السادس أو السابع(4). وهذا الإختلاف بخمسة قرون أمر عجيب! يدلّ على الغموض الذي يحيط بتاريخ زرادشت. والمعروف أنّ له كتاباً اسمه "أفستا" تلف إبّان حملة الإسكندر المقدوني على بلاد فارس. ثمّ اُعيدت كتابته على عهد أحد ملوك الساسانيين(5). وليس لدينا معلومات كافية عن عقيدة زرادشت، إلاّ ما اشتهر من إعتقاده بمبدأ الخير والشرّ والنور والظلام، فإله الخير والنور عنده "أهورا مزدا" وإله الشرّ والظلام "أهريمن" ويحترم فكرة العناصر الأربعة وخاصّة "النّار" حتّى اُعتبر أتباعه عبدة للنار. وأينما كانوا وجد معهم معبد للنار صغير أو كبير. ويرى البعض أنّ كلمة "مجوس" مشتقّة من "مغ" التي كانت تطلق على قادة وروحانيي هذا الدين. كما أنّ كلمة "مؤبّد" التي تطلق حالياً على روحانيي هذا الدين، مشتقّة في الأصل من "مغود". وروي أنّهم من أتباع أحد أنبياء الحقّ (إلاّ أنّهم إنحرفوا بعد توحيدهم الله، فأصبحوا على عقيدة يخالطها الشرك). وجاء في رواية أنّ مشركي مكّة طالبوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأخذ الجزية من أتباع زرادشت مقابل السماح لهم بإلتزام ما يعتقدون به، فبيّن لهم الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لا يأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب، فقالوا: كيف هذا وقد أخذت الجزية من مجوس منطقة "هجر"؟! أجاب (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه، وكتاب أحرقوه"(6). وجاء في حديث آخر عن "الأصبغ" بن نباتة" أنّ علياً قال على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث "المنافق المعروف)، فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ الجزية من المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبيّ؟ فقال(ع): "بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتاباً وبعث إليهم نبيّاً". الحديث(7). وفي حديث عن الإمام علي بن الحسين (ع) قال: "إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب يعني المجوس"(8). و "المجوس" جمع مفرده "مجوسي". 3 - من هم الصابئة؟ يستفاد من الآية السابقة، ولا سيّما من ذكر الصابئة بين اليهود والنصارى، أنّ الصابئة أصحاب دين سماوي. وقيل: إنّهم أتباع يحيى بن زكريا (ع) الذي يسمّيه المسيحيون "يحيى المعمدان" وقيل: إنّ الصابئة مزجوا بين العقيدتين اليهودية والنصرانية، فعقيدتهم وسط بين اُولئك وهؤلاء. يهتمّ الصابئة بالماء كثيراً، ولهذا ترى معظمهم يعيشون على ضفاف الأنهر الكبيرة، وذكر أنّهم يقدّسون بعض النجوم، ولهذا اتّهموا بعبادة النجوم. رغم أنّ الآية السابقة لم تضعهم في صفّ المشركين (إيضاحاً لذلك يراجع التّفسير الأمثل في تفسير الآية 62 من سورة البقرة). 3 - مجموعة المنحرفين عن التوحيد أشارت الآيات السابقة إلى خمس فئات منحرفة، يحتمل أن يكون ترتيبها هنا بحسب درجة إنحرافها عن أصل التوحيد، فاليهود أقل إنحرافاً من الآخرين بشأن التوحيد، والصابئة وسط بين اليهود والنصارى، ويليهم النصارى لقولهم بالتثليث أي تأليههم عيسى واُمّه مريم(عليهما السلام) أيضاً، وبذلك إزداد إنحرافهم. أمّا المجوس فهم في مرحلة رابعة لتقسيمهم العالم قسمين: الخير والشرّ، وقولهم بوجود مبدأين منذ الخليقة. أمّا المشركون وعبدة الأصنام فهم في آخر مرحلة، لإنحرافهم عن التوحيد أكثر من الآخرين. ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يميز بينهم في أحوالهم ومحالهم ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ مطلع عليم به.