لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير الوجود كلّه يسجد لله: بما أنّ الحديث في الآيات السابقة كان عن المبدأ والمعاد، فإنّ الآية - موضع البحث - بطرحها مسألة التوحيد، قد أكملت دائرة المبدأ والمعاد، وتخاطب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول (ألم تر أنّ الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدّواب) و (كثير من الناس وكثير حقّ عليه العذاب) ثمّ تضيف وهؤلاء ليست لهم قيمة عند الله تعالى، ومن كان كذلك فهو مهان: (ومن يُهن الله فما له من مكرم). أي إنّ من يهينه الله لا يكرمه أحد، وليست له سعادة ولا أجر، حقّاً (إنّ الله يفعل ما يشاء) فهو يكرم المؤمنين به، ويذلّ المنكرين له. بحثان 1 - في كيفية السجود العام! جاء في القرآن المجيد ذكر "السجود العامّ" لجميع المخلوقات في العالم، وكذا "التسبيح" و "الحمد" و "الصلاة"، وأكّد القرآن الكريم على أنّ هذه العبادات الأربع، لا تختص بالبشر وحدهم، بل يشاركهم فيها حتّى الموجودات التي تبدو عديمة الشعور. وعلى الرغم من أنّنا بحثنا في ختام الآية الرّابعة والأربعين من سورة الإسراء عن حمد الموجودات وتسبيحها بحثاً مسهباً، وتناولنا سجود المخلوقات العامّ لله في تفسير الآية الخامسة عشرة من سورة الرعد، نجد الإشارة إلى هذا الحمد والتسبيح الكوني العامّ ضرورية. إنّ للموجودات مع ملاحظة ما ورد في الآية - موضع البحث - شكلين من السجود "سجود تكويني" و "سجود تشريعي". فالسجود التكويني هو الخضوع والتسليم لإرادة الله ونواميس الخلق والنظام المسيطر على هذا العالم دون قيد أو شرط، وهو يشمل ذرّات المخلوقات كلّها، حتّى أنّه يشمل خلايا أدمغة الفراعنة والمنكرين العنودين وذرّات أجسامهم فالجميع يسجدون لله تعالى تكويناً. وحسبما يقوله عدد من الباحثين، فإنّ ذرّات العالم كلّها لها نوع من الإدراك والشعور، ولذا يسبّحون الله ويحمدونه ويسجدون له ويصلّون له بلسانهم الخاص (شرحنا ذلك في تفسير الآية الرّابعة والأربعين من سورة الإسراء) وإذا رفضنا هذا النوع من الإدراك والشعور، فلا مجال لإنكار تسليم الكائنات جميعاً للقوانين الحاكمة على نظام الوجود كلّه. أمّا "السجود التشريعي" فهو غاية الخضوع من العقلاء المدركين العارفين لله سبحانه. وهنا يثار سؤال، وهو أنّه إذا كان السجود العامّ يشمل المخلوقات وجميع البشر، فلماذا خصّصته الآية المذكورة أعلاه ببعض البشر لا كلّهم؟ لو دقّقنا في مفهوم السجود في هذه الآية لرأيناه يجمع بين المفهومين التشريعي والتكويني، فتتيسّر الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ سجود الشمس والقمر والنجوم والجبال والأشجار والأحياء تكويني، وسجود البشر تشريعي يؤدّيه ناس ويأباه آخرون، فصدق فيهم القول: (كثير حقّ عليه العذاب). وإستخدام لفظ واحد بمفهوم شامل عامّ مع الإحتفاظ بمصاديقه لا يضرّه شيئاً، حتّى عند الذين لا يجيزون إستخدام كلمة واحدة لعدّة معان. فكيف بنا ونحن نجيز إستعمال كلمة واحدة في معان عديدة؟ 2 - هل سجود الملائكة تشريعي؟ ممّا لا شكّ فيه أنّ عبارة (يسجد له من في السموات) تضمّ الملائكة، وسجودهم تشريعي، لأنّهم عقلاء ذوو أحاسيس وعلم وإرادة، أي أنّ سجودهم عبادة وخضوع على وفق إرادتهم ووعيهم، بدلالة ما قاله القرآن الكريم عنهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)(1). أجوبة عن إستفسارات 1 - لماذا جاءت عبارة (كثير من الناس) بعد (ومن في الأرض) التي تضمّ البشر كلّهم؟ يمكن القول أنّ هذه العبارة إيضاح لعبارة (من في الأرض) أي أنّ أهل الأرض فئتان: الأُولى مؤمنة خاضعة لله، والاُخرى كافرة متمرّدة عنيدة. وقال بعض المفسّرين: إنّ تعبير (من في الأرض) بصيغة العامّة إشارة إلى السجود التكويني، الذي يشترك فيه جميع الناس بما فيهم الكفرة، حيث تشارك أجزاء أبدانهم في هذا السجود، وإنّ عبارة (كثير من الناس و...) إشارة إلى السجود التشريعي الذي يختلف فيه الناس. كما يحتمل أنّ عبارة (من في الأرض)إشارة إلى الملائكة الساكنين في الأرض كعبارة (من في السّماء) التي تشير إلى الملائكة الساكنين في السّماء، في وقت تتحدّث فيه العبارة التي تليها عن البشر الساكنين في الأرض. 2 - لماذا تحدّثت هذه الآية عن أهل السّماء والأرض، وليس عن السّماء والأرض ذاتهما! في الجواب نقول: السموات داخلة في كلمة "النجوم"، مثلما يقصد "بالجبال" التي تشكّل جزءاً مهمّاً من الكرة الأرضية، الأرض ذاتها. 3 - وأخيراً: لماذا قال سبحانه وتعالى: (ألم تر)، أي: ألم تشاهد بعينيك، رغم أنّ السجود العام من قبل المخلوقات لله تعالى لا يمكن رؤيته؟ ومع ملاحظة أنّ كلمة "رؤية" في العربية تعني أحياناً العلم، يتّضح الجواب. وإضافةً إلى ذلك نعبّر أحياناً عن الواضحات جدّاً بكلمة الرؤية، فنقول: ألم تر فلاناً حسوداً بخيلا؟ أو: ألم تر فلاناً عالماً وعادلا؟ (رغم أنّ هذه الصفات ليست حسّية) وإنّما نقصد بذلك تأكيد الإدراك والعلم بهذه الصفات. المصدر السابق. ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تعلم ﴿أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ﴾ ينقاد لقدرته وتدبيره ﴿وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ﴾ أن عمت من غير العقلاء فإفراد هذه بالذكر لظهورها ﴿وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ﴾ عطف عليه ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ بإبائه أن يسجد طاعة قيل ﴿وَكَثِيرٌ﴾ تكرير للسابق مبالغة في كثرة من حق عليه العذاب ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ﴾ يشقه بالعقاب ﴿فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ مسعد بالثواب ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾ من إهانة وإكرام.