وأوجزت الآية التالية مسائل الحجّ وتعظيم شعائر الله ثانية فتقول (ذلك)أي إنّ الموضوع كما قلناه، وتضيف (ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب).
"الشعائر" جمع "شعيرة" بمعنى العلامة والدليل، وعلى هذا فالشعائر تعني علامات الله وأدلّته، وهي تضمّ عناوين لأحكامه وتعاليمه العامّة، وأوّل ما يلفت النظر في هذه المراسم مناسك الحجّ التي تذكّرنا بالله سبحانه وتعالى.
ومن البديهي كون مناسك الحجّ من الشعائر التي قصدتها هذه الآية.
خاصّة مسألة الاُضحية التي إعتبرتها الآية (36) من نفس السورة - وبصراحة - من شعائر الله، إلاّ أنّ من الواضح مع كلّ هذا إحتفاظ الآية بمفهوم شمولي لجميع الشعائر الإسلامية، ولا دليل على إختصاصها - فقط - بالأضاحي، أو جميع مناسك الحجّ.
خاصّةً أنّ القرآن يستعمل "من" التي يستفاد منها التفريق في مسألة أضحية الحجّ، وهذا دليل على أنّ الاُضحية من شعائر الله كالصفا والمروة التي تؤكّد الآية (158) من سورة البقرة على أنّهما من شعائر الله (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله).
ويمكن القول: إنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينيّة التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دليل على تقوى القلوب.
كما تجب ملاحظة أنّ المراد من عبارة (يعظّم) ليس كما قاله بعض المفسّرين من عظمة جثّة الاُضحية وأمثالها، بل حقيقة التعظيم تعني تسامي مكانة هذه الشعائر في عقول الناس وبواطنهم، وأن يؤدّوا ما تستحقّه هذه الشعائر من تعظيم وإحترام.
كما أنّ العلاقة بين هذا العمل وتقوى القلب واضحة أيضاً، فالتعظيم رغم أنّه من عناوين القصد والنيّة، يحدث كثيراً أن يقوم المنافقون بالتظاهر في تعظيم شعائر الله.
إلاّ أنّ ذلك لا قيمة له، لأنّه لا ينبع من تقوى القلوب.
إنّما تجده حقيقة لدى أتقياء القلوب.
ونعلم أنّ مركز التقوى وجوهر إجتناب المعاصي والشعور بالمسؤولية إزاء التعاليم الإلهيّة في قلب الإنسان وروحه، ومنه ينفذ إلى الجسد.
لهذا نقول: إنّ تعظيم الشعائر الإلهيّة من علامات التقوى القلبيّة(4).
وقد جاء في حديث عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال وهو يشير إلى صدره المبارك: "التقوى هاهنا"(5).
﴿ذَلِكَ﴾ أي الأمر ذلك ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ دينه أو مناسك الحج أو الهدايا ﴿فَإِنَّهَا﴾ فإن تعظيمها ناشىء ﴿مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ أي قلوبهم.