تجيب الآية التالية عن هذه الأسئلة (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها).
إنّ الله ليس بحاجة إلى لحوم الأضاحي، فما هو بجسم، ولا هو بحاجة إلى شيء، وإنّما هو موجد كلّ وجود وموجود.
إنّ الغاية من الاُضحية كما تقول الآية: (ولكن يناله التقوى منكم) فالهدف هو أن يجتاز المسلمون مراحل التقوى ليبلغوا الكمال ويتقرّبوا إلى الله.
إنّ جميع العبادات دروس في التربية الإسلامية، فتقديم الاُضحية - مثلا - فيه درس الإيثار والتضحية والسماح والإستعداد للشهادة في سبيل الله، وفيه درس مساعدة الفقراء والمحتاجين.
وعبارة (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) مع أنّ دماءها غير قابلة للإستفادة، ربّما تشير إلى الأعمال القبيحة التي كان يمارسها أعراب الجاهلية، الذين كانوا يلطّخون أصنامهم وأحياناً على الكعبة بدماء هذه القرابين.
وقد اتّبعهم في ممارسة هذا العمل الخرافي مسلمون جاهلون، حتّى نهتهم هذه الآية المباركة(3) وممّا يؤسف له وجود هذه العادات الجاهلية في بعض المناطق حيث يرشّون دماء الاُضحية على باب وجدران منزلهم الجديد، حتّى أنّهم يمارسون هذا العمل القبيح الخرافي في المساجد الجديدة العمران أيضاً.
ولذا يجب على المسلمين الواعين الوقوف بقوّة ضدّ هذا العمل.
ثمّ تشير الآية ثانيةً إلى نعمة تسخير الحيوان قائلة: (كذلك سخّرها لكم لتكبّروا الله على ما هداكم).
إنّ الهدف الأخير هو التعرّف على عظمة الخالق جلّ وعلا الذي هداكم بمنهجه التشريعي والتكويني إلى تعلّم مناسك الحجّ والتعاليم الخاصّة بطاعته والتعبّد له، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى جعل هذه الحيوانات الضخمة القويّة طيّعة لكم تقدّمونها أضاحي إستجابةً لله تعالى، وتعملون عملا طيّباً يُساعد المحتاجين، وتستفيدون من لحومها في تأمين حياتكم.
لهذا تقول الآية في الختام: (وبشّر المحسنين)اُولئك الذين استفادوا من هذه النعم الإلهيّة في طاعة الله، وأنجزوا واجباتهم على خير وجه، ولم يقصّروا في الإنفاق في سبيل الله أبداً.
وفاعلوا الخير هؤلاء لم يحسنوا للآخرين فقط، بل شمل إحسانهم أنفسهم على أفضل وجه أيضاً.
وقد تؤدّي مقاومة خرافات المشركين التي أشارت إليها الآيات السابقة إلى إثارة غضب المتعصّبين المعاندين، ووقوع إشتباكات محدودة أو واسعة، لهذا طمأن الله سبحانه وتعالى المؤمنين بنصره (إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا).
لتتّحد قبائل عرب الجاهلية مع اليهود والنصارى والمشركين في شبه الجزيرة العربية للضغط على المؤمنين كما يحلو لهم، فلن يتمكّنوا من بلوغ ما يطمحون إليه، لأنّ الله وعد المؤمنين بالدفاع عنهم وعداً تجلّى صدقه في دوام الإسلام حتّى يوم القيامة، ولا يختّص الدفاع الإلهي عن المؤمنين في الصدر الأوّل للإسلام وحسب، بل هو ساري المفعول أبد الدهر، فإن كنّا على نهج الذين آمنوا.
فالدفاع الإلهي عنّا أكيد.
ومن ذا الذي لا يلتمس دفاع الله سبحانه عن عباده الصالحين؟
وفي الختام توضّح هذه الآية موقف المشركين وأتباعهم بين يدي الله بهذه العبارة الصريحة (إنّ الله لا يحبّ كلّ خوّان كفور) اُولئك الذين أشركوا بالله حتّى أنّهم ذكروا أسماء أوثانهم عن التلبية.
فثبتت عليهم الخيانة والكفر لأنعم الله حيث يسمّون أوثانهم عند تقديم الأضاحي، ولا يذكرون اسم الله عليها، فكيف يحبّ الله قوماً كهؤلاء الخونة الكفرة؟!
﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ﴾ لن يصعد إليه ﴿لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ﴾ يصعد إليه ﴿التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ الموجبة لإخلاص العمل لله وقبوله منه ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ كرر ليعلل بقوله ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ أرشدكم لإعلام دينه ومناسك حجه ﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي الموحدين.