وترسم الآية الثّانية - موضع البحث - صورة أُخرى لجهل الأغبياء وعديمي الإيمان فتقول: (ويستعجلونك بالعذاب) فردّ عليهم ألاّ تعجلوا (ولن يخلف الله وعده).
و "العجول" هو من يخشى فوات الفرصة من يده، وإنتهاء إمكاناتها.
أمّا الله القادر على كلّ شيء منذ الأزل، فلا حاجة له بالعجلة، فهو قادر دوماً على الوفاء بما عد، فلا فرق عنده بين الساعة واليوم والسنة: (وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون).
وسواء أكان حقّاً أم باطلا تكرارهم القول: لماذا لم ينزل الله علينا البلاء.
فليعلموا أنّ العذاب يترقّبهم وسينزل عليهم قريباً.
فإن أمهلهم الله، فإنّ ذلك ليعيدوا
النظر في أعمالهم، وسيغلق باب التوبة بعد نزول العذاب ولا سبيل للنجاة حينذاك.
وهناك تفاسير أُخرى لعبارة (وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون) غير ما ذكرنا (وهو تساوي اليوم الواحد والألف سنة بالنسبة إلى قدرته تعالى) منها: قد يلزم ألف عام لإنجازك عملا ما، والله تعالى ينجزه في يوم أو بعض يوم، لهذا فإنّ عقابه لا يحتاج إلى مقدّمات كثيرة.
وتفسير آخر يقول: إنّ يوماً من أيّام الآخرة كألف عام في الدنيا، وإنّ جزاء ربّك وعقابه يزداد بهذه النسبة، لهذا نقرأ في الحديث التالي: "إنّ الفقراء يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بنصف يوم، خمسمائة عام"(5).
وفي آخر آية نجد تأكيداً على ما سبق أن ذكرته الآيات الآنفة الذكر من إنذار الكفّار المعاندين بأنّه ما أكثر القرى والبلاد التي أمهلناها ولم ننزل العذاب عليها ليفيقوا من غفلتهم، ولمّا لم يفيقوا وينتبهوا أمهلناهم مرّة أُخرى ليغرقوا في النعيم والرفاهية، وفجأةً نزل عليهم العذاب: (وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثمّ أخذتها).
إنّ اُولئك الأقوام كانوا مثلكم يشكّون من تأخّر العذاب عليهم، ويسخرون من وعيد الأنبياء، ولا يرونه إلاّ باطلا، إلاّ أنّهم ابتلوا بالعذاب أخيراً ولم ينفعهم صراخهم أبداً (وإليّ المصير) أجل كلّ الاُمور تعود إلى الله، وتبقى جميع الثروات فيكون الله وارثها.
الآيات 49 - 51
﴿قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ49 فَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحَـتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ50 وَالَّذِينَ سَعَوا فِى ءَايَـتِنَا مُعَـجِزِينَ أُوْلَـئِكَ أَصْحَـبُ الْجَحِيمِ51﴾
التّفسير
الرزق الكريم:
تحدّثت الآيات السابقة عن تعجيل الكفر والعذاب الإلهي، وإنّ ذلك ليس من شأن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما يرتبط بمشيئة الله تعالى، فأوّل آية من الآيات أعلاه تقول: (قل ياأيّها الناس إنّما أنا لكم نذير مبين).
يخاطب سبحانه وتعالى الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيأمره أن ينذر الناس بعذاب الله إن تخلّفوا عن طاعته.
وممّا لا شكّ فيه أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نذير بشير، وتأكيد الآية هنا لصفة النذير جاء لملاءمة ذلك مع المخاطبين الكفّار المعاندين الذين يستهزئون بعقاب الله.
وترسم الآيتان التاليتان صورةً للبشرى وأُخرى للإنذار، لأنّ رحمة الله واسعة، فتقدّم على عقاب الله.
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ الذي أوعدوه ﴿وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ بإنزاله وقد أنجزه يوم بدر ﴿وَإِنَّ يَوْمًا﴾ من أيام عذابهم ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ في الآخرة ﴿كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ في الدنيا وقرىء بياء الغيبة.