سبب النّزول
رُوي أنّ عدداً من المشركين من أهل مكّة واجهوا المسلمين ولم يبق لإنتهاء شهر المحرّم إلاّ يومان.
قال المشركون بعضهم لبعض: إنّ أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحاربون في شهر المحرّم.
ولهذا بدأوا بمهاجمة المسلمين، ورغم الحاح المسلمين عليهم بإيقاف القتال، لم يعطوا اُذناً صاغية لهذا الطلب، فاضطرّ المسلمون إلى قتالهم ببطولة فريدة فنصرهم الله، وهنا نزلت أوّل آية من الآيات المذكورة آنفاً(1).
التّفسير
من هم المنتصرون؟
حدّثتنا الآيات السابقة عن المهاجرين في سبيل الله، وما وعدهم الله من رزق حسن يوم القيامة.
ومن أجل ألاّ يتصوّر المرء أنّ الوعد الإلهي يختّص بالآخرة فحسب، تحدّثت الآية - موضع البحث - في مطلعها عن إنتصارهم في ظلّ الرحمة الإلهيّة في هذا العالم: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه الله) إشارة إلى أنّ الدفاع عن النفس ومجابهة الظلم حقّ طبيعي لكلّ إنسان.
وعبارة "بمثل" تأكيد لحقيقة أنّ الدفاع لا يجوز له أن يتعدّى حدوده.
عبارة (ثمّ بغي عليه) هي أيضاً إشارة إلى وعد الله بالإنتصار لمن يُظلم خلال الدفاع عن نفسه، وعلى هذا فالساكت عن الحقّ والذي يقبل الظلم ويرضخ له، لم يعده الله بالنصر، فوعد الله بالنصر يخصّ الذين يدافعون عن أنفسهم ويجابهون الظالمين والجائرين، فهم يستعدّون بكلّ ما لديهم من قوّة لمجابهة هذا الظلم.
ويجب أن تمتزج الرحمة والسماح بالقصاص والعقاب لتكسب النادمين والتائبين إلى الله، حيث تنتهي الآية بـ(إنّ الله لعفو غفور).
وتطابق هذه الآية آية القصاص حيث منحت ولي القتيل حقّ القصاص من جهة وأفهمته أنّ العفو فضيلة (للجديرين بها) من جهة أُخرى.
وبما أنّ الوعد بالنصر الذي يقوي القلب لابدّ وأن يصدر من مقتدر على ذلك.
﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ جازى من ظلمه بمثل ما ظلمه به ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾ عاوده الظالم بالظلم ﴿لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ على الباغي ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾.