وتتناول الآية الأخيرة أهمّ قضيّة في الوجود، أي قضيّة الحياة والموت فتقول: (وهو الذي أحياكم) أي كنتم تراباً لا حياة فيه فألبسكم لباس الحياة (ثمّ يميتكم)وبعد إنقضاء دورة حياتكم يميتكم (ثمّ يحييكم) أي يمنحكم حياة جديدة يوم البعث.
وتبيّن الآية ميل الإنسان إلى نكران نِعم الله عليه قائلة: (إنّ الإنسان لكفور)فرغم كلّ ما أغدق الله على الإنسان من أنعم في الأرض والسّماء، في الجسم والروح، لا يحمده ولا يشكره عليها، بل يكفر بكلّ هذه النعم.
ومع أنّه يرى كلّ الدلائل الواضحة والبراهين المؤكدة لوجود الله تبارك وتعالى، والشاهدة بفضله عليه وإحسانه إليه ينكر ذلك.
فما أظلمه وأجهله!
ملاحظات
1 - الصفات الخاصّة بالله:
بيّنت الآيات السالفة الذكر والآيتان اللتان سبقتها، أربع عشرة صفة من صفات الله (في نهاية كلّ آية جاء ذكر صفتين من صفات الله) العليم والحليم - العفو والغفور - السميع والبصير - العلي والكبير - اللطيف والخبير - الغني والحميد - الرؤوف والرحيم.
وكلّ صفة تكمل ما يقترن بها.
وتنسجم معها وتتناسب مع البحث الذي تناولته الآية، كما مرّ سابقاً.
2 - الآيات تدلّ على توحيد اللّه وعلى المعاد
إنّ الآيات السابقة، مثلما هي دليل على قدرة الله تعالى وتأكيد لما وعد من نصر لعباده المؤمنين، وشاهد على حقّانيته المقدّسة التي إستندت الآيات السالفة الذكر إليها، فهي دليل على توحيد الله وعلى المعاد.
فإحياء الأرض بالمطر بعد موتها، ونموّ النبات فيها، وكذلك حياة الإنسان وموته شاهد على البعث والنشور.
ومعظم الآيات عرضت هذه الأدلّة في البرهنة على حقيقة المعاد يوم القيامة.
وقوله تعالى: (إنّ الإنسان لكفور) تأكيد على إصرار المعاندين على الكفر، ففي صيغة المبالغة "كفور" دلالة على هذا العناد، فهذا الإنسان منكر لفضل ربّه مع مشاهدته لآياته العظيمة، ومصرّ على الإنحراف عن هداه ونور رحمته الواسعة.
3 - تسخير الأرض والسّماء للإنسان:
لقد سخّر الله هذه الموجودات للإنسان وذلّلها لمصالحه.
(وقد بيّنا هذا الموضوع مفصّلا في تفسير الآية (12) إلى (14) من سورة النحل، وفي تفسير الآية الثّانية من سورة الرعد).
وجاء ذكر السفن في البحار والمحيطات بين النعم، لأنّها كانت أهمّ وسيلة للنقل والتجارة.
ولم تحلّ محلّها أيّة وسيلة أرخص منها حتّى الآن.
ولو توقّفت هذه السفن يوماً لاختلّت منافع البشر، فالطرق البريّة لا تسدّ حاجة الإنسان إلى النقل والإنتقال، خاصّةً في العصر الحاضر الزاخر بالإحتياج إلى النفط المحمول في السن التي لا تفتر عن الحركة، لتدير عجلة الصناعة في العالم.
ولقد تجلّت هذه النعمة اليوم أكثر، فما تعدل عشرات الآلاف من الصهاريج السيّارة في البرّ ناقلة نفط عملاقة، ونقل النفط بواسطة الأنابيب النفطيّة لا يستوعب إلاّ مناطق محدودة من العالم.
﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ﴾ بعد أن كنتم أمواتا جمادا ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عند آجالكم ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ بعد بعثكم ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ﴾ أي المشرك ﴿لَكَفُورٌ﴾ جحود.