التّفسير
لكلّ اُمّة عبادة:
تناولت البحوث السابقة المشركين خاصّة، ومخالفي الإسلام عامّة، ممّن جادلوا فيما أشرق به الإسلام من مبادىء نسخت بعض تعاليم الأديان السابقة.
وكانوا يرون من ذلك ضعفاً في الشريعة الإسلامية، وقوّة في أديانهم، في حين أنّ ذلك لا يشكل ضعفاً إطلاقاً، بل هو نقطة قوّة ومنهج لتكامل الأديان ولذا جاء الفصل الربّاني جلّياً (لكلّ اُمّة جعلنا منسكاً هم ناسكوه)(1).
"المناسك" - كما قلنا سابقاً - جمع "منسك" أي مطلق العبادات، ومن الممكن أن تشمل جميع التعاليم الإلهيّة.
لهذا فإنّ الآية تبيّن أنّ لكلّ اُمّة شرعة ومنهاجاً يفي بمتطلّباتها بحسب الأحوال التي تعيشها، لكنّ ارتقاءها يستوجب تعاليم جديدة تلبّي مطامحها المرتقّية، وهذا ما صدعت به الآية المباركة وأنارته قائلة: (فلا ينازعنّك في الأمر).
فبما تقدّم لا ينبغي لهم منازعتك في هذا الأمر.
(وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدى مستقيم).
تخاطب الآية النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ياأيّها النّبي لا يؤثّر هؤلاء في دعوتك الراشدة باعتراضاتهم الضالّة، فالمهتدي إلى الصراط المستقيم أقوى من الضارب في التيه.
فوصف "الهدى" بالإستقامة، إمّا تأكيداً لها، وإمّا إشارة إلى أنّها يمكن أن تتحقّق بطرق مختلفة، قريبها وبعيدها، مستقيمها وملتويها، إلاّ أنّ الهداية الإلهيّة أقربها وأكثرها إستقامة.
﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا﴾ شريعة أو متعبدا ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ عاملون به أو فيه ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ﴾ أي بقايا الأمم ﴿فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ دينه ﴿إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ﴾.