وفي الآية التالية وصفان آخران للقرآن إذ تقول: (هدى وبشرى للمومنين... الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون).
وهكذا فإن اعتقاد المؤمنين راسخ في شأن المبدأ والمعاد، وارتباط متين بالله وخلقه أيضاً... فالأوصاف المتقدمة تشير إلى اعتقادهم الكامل ومنهجهم العملي الجامع!.
وهنا ينقدح سؤال وهو: إذا كان هؤلاء المؤمنون قد اختاروا الطريق السوي، من حيث المباني الإعتقادية والعملية، فما الحاجة لأنّ يأتي القرآن لهدايتهم؟!
ويتّضح الجواب بملاحظة أنّ الهداية لها مراحل مختلفة، وكل مرحلة مقدمة لما بعدها، .
ثمّ إنّ استمرار الهداية مسألة مهمّة، وهي ما نسألُها الله سبحانه ليل نهار بقولنا: (إهدنا الصراط المستقيم) ليثبتنا في هذا المسير، ويجعلنا مستمرين فيه بلطفه، فلولا لطفه لما كان ذلك ممكناً لنا... وبعد هذا كلّه، فالإفادة من آيات القرآن والكتاب المبين هي نصيب أُولئك الذين فيهم القابلية على معرفة الحق وطلب الحق.
وإن لم يبلغوا مرحلة الهداية الكاملة... وإذا ما وجدنا التعبير في بعض آيات القرآن بأنّه (هدى للمتقين) "كما في الآية 2 من سورة البقرة" وفي مكان آخر (للمسلمين) "كما في الآية 102 من سوره النحل" وهنا (هُدًى وبشرى للمؤمنين) فإنّ ذلك ناشىء من أنّه إذا لم يكن في قلب الإنسان أدنى مرحلة من التقوى والتسليم والإيمان بالواقع، فإنّه لا يتجه نحو الحق، ولا يبحث عنه، ولايفيد من نور هذا الكتاب المبين... لأنّ قابلية المحل شرط أيضاً.
ثمّ بعد ذلك فإن الهدى والبشرى مقترنين معاً.. وهما للمؤمنين فحسب، وليس للآخرين مثل هذه المزية... ومن هنا يتّضح مجيء التعبير بالهداية بشكل واسع لعموم الناس (هدى للناس) فإن المراد منه أُولئك الذين تتوفر فيهم الأرضيّة المناسبة لقبول الحق، وإلاّ فأنّ المعاندين الألداء.
عُماة القلوب، لو أشرقت عليهم آلاف الشموس بدل شمسنا هذه ليهتدوا، لما اهتدوا أبداً.
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ بحدودها ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ بتمامها ﴿وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ من تتمة الصلة والواو للحال أو للعطف وغير النظم إيذانا بكمال إيقانهم.