التّفسير
موسى يقتبس النّور:
يجري الكلام في هذه السورة - كما أشرنا من قبلُ ـبعد بيان أهمّية القرآن، عن قصص خمسة أنبياء عظام، وذكر أُممهم، والوعد بانتصار المؤمنين وعقابالكافرين.
فأوَّل نبيّ تتحدث عنه هذه السورة، هو موسى ع أحد الأنبياء "أولي العزم" وتبدأ مباشرةً بأهم نقطة من حياته وأكثرها "حسّاسية" وهي لحظة نزول الوحي على قلبه وإشراقه فيه، وتكليم الله إيّاه إذ تقول الآية: (إذْ قال موسى لأهله إنّي آنست ناراً) (1) اي رأيت ناراً من بعيد، فامكثوا هنيئة (سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون)(2).
في تلك الليلة الظلماء، كان موسى(ع) يسير بزوجته بنت النبيّ شعيب(ع) في طريق مصر - وفي الصحراء - فهبت ريح باردة، وكانت زوجته (أهله) مُقرّباً، فأحسّت بوجع الطلق، فوجد موسى (ع)نفسه بمسيس الحاجة إلى النّار لتصطلي المرأة بها، لكن لم يكن في الصحراء أىّ شيء، فلمّا لاحت له النّار من بعيد سُرّ كثيراً، وعلم أنّها دليل على وجود إنسان أو أناس، فقال: سأمضي وآتَيكم منها بخبر أو شعلة للتدفئة.
ممّا يلفت النظر أنّ موسى(ع) يقول لأهله سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس "بضمير الجمع لا الإفراد" ولعل هذا التعبير هو أنّ موسى (ع)كان معه بالإضافة إلى زوجته أطفال أيضاً.. لأنّه كان قد مضى على زواجه عشر حجج (عشر سنين) في مدين.. أو أنّ الخطاب بصيغة الجمع (آتيكم) يوحي بالإطمئنان في هذه الصحراء الموحشة!.
﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ﴾ لامرأته في مسيره من مدين إلى مصر ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ أبصرت ﴿نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ عن الطريق وكان قد ضله وخوطبت بلفظ الجمع لما كنى عنها بالأهل ﴿أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ بشعلة نار مقبوسة ﴿لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ رجاء أن تستدفئوا بها.