ومن هنا يتّضح أن ما ذهب إليه بعض المفسّرين بأن الهدهد ذهب إلى قصر ملكة سبأ ودخل مخدعها وألقى الكتاب على صدرها أو حنجرتها - لا يقوم عليه دليل - وإن كان متناسباً مع الجملة التي وردت في الآية التالية (إنّي أُلقي إليّ كتاب كريم).
ففتحت ملكة سبأ كتاب سليمان، واطّلعت على مضمونه، وحيث أنّها كانت من قبل قد سمعت بأخبار سليمان واسمه، ومحتوى الكتاب يدلّ على إقدامه وعزمه الشديد في شأن بلدة "سبأ"، لذلك فكّرت مليّاً، ولما كانت في مثل هذه المسائل المهمّة تستشير من حولها، لذلك فقد دعتهم وتوجهت إليهم و(قالت يا أيّها الملأ إنّي أُلقي إليّ كتاب كريم).
ترى، حقّاً أن ملكة سبأ لم تكن رأت "حامل الكتاب"، إلاّ أنّها أحست بأصالة الكتاب من القرائن الموجودة فيه؟ ولم تحتمل أن يكون الكتاب مفتعلا ومفترى أبداً..؟!
أم أنّها رأت الرّسول بأُم عينيها، ورأت كيفية وصول الكتاب المدهشة التي هي بنفسها دليل على أن المسألة واقعية ومهمّة، ومهما كان الأمر فإنّها عوّلت على الكتاب بكل اطمئنان؟.
وقول الملكة: (إنّي ألقي إلي كتاب كريم) "أي قيم" لعله لمحتواه العميق، أو لأنّه بُدىء باسم الله أو لأنّه ختم بإمضاء صحيح(2).
أو لأنّ مرسله رجل عظيم، وقد احتمل كل مفسّر وجهاً منها - أو جميعها - لأنّه لا منافاة بينها جميعاً.
وقد تجتمع جميعها في هذا المفهوم الجامع!.
صحيح أنّهم (قوم سبأ) كانوا يعبدون الشمس، إلاّ أننا نعرف أن كثيراً من عبدة الأصنام كانوا يعتقدون بالله - أيضاً - ويسمونه رب الأرباب ويعظمونه ويحترمونه.
﴿قَالَتْ﴾ لأشراف قومها ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ لكرم مرسله أو مضمونه أو لأنه كان مختوما.