إلاّ أن الأخضر لم يحترق باليابس، والأبرياء لم يؤخدوا بجرم الأشقياء... بل سلم المتقون (وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون).
ملاحظات
1 - عقوبة ثمودتختلف تعابير آيات القرآن في موضوع هلاك قوم صالح "ثمود".
فتارةً يأتي التعبير عن هلاكهم بالزلزلة (فأخذتهم الرجفة).(2)
وتارة يقول: "عنهم" القرآن: (فأخدتهم الصاعقة)(3).
وتارة يقول: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة)(4).
إلاّ أنّه لا منافاة بين هذه التعابير الثلاثة أبداً... لأنّ "الصاعقة" هي الشعلة الكبيرة بين السحاب والأرض المقرونة بصيحة عظيمة واهتزاز شديد في الأرض "ذكرنا تفصيلا عن الصيحة السماوية في ذيل الآية 67".
2 - روى بعض المفسّرين أن أصحاب صالح الذين نجوا معه كانوا أربعة آلاف رجل، وقد خرجوا بأمر الله من المنطقة الموبوءة بالفساد إلى حضر موت"(5).
3 - "خاوية" من (الخواء) على وزن (الهواء) معناه السقوط والهوىّ والإنهدام، وقد يأتي الخواء بمعنى الخلو... وهذا التعبير ورد في سقوط النجم وهويه، إذا قالوا "خوى النجم" أي هوى.
ويرى الراغب في المفردات أن الاصل في "خوى" هو الخلو... ويُرِد هذا التعبير في البطون الغرثى، والجوز الخالي، والنجوم التي لا تعقب الغيث، كان عرب الجاهلية يعتقدون أن كل نجم يظهر في الأفق يصحبه الغيث! "المطر".
4 - روي عن ابن عباس أنّه قال: استفدت من القرآن أن الظلم يخرب البيوت ويهدمها، ثمّ استدل بالآية الكريمة (فتلك بيوتهم خاويةً بما ظلموا)(6).
وفي الحقيقة فإن تأثير الظلم في تخريب البيوت والمدن والمجتمعات لا يقاس بأي شيء، فالظلم يأتي بالصاعقة المهلكة، والظلم يزلزل ويدمر... والظلم له أثر كأثر الصيحة - في السماء - المهلكة المميتة، وقد أكد التأريخ مراراً هذه الحقيقة وأثبتها، وهي أن الدنيا قد تدوم مع الكفر، إلاّ أنّها لا تدوم مع الظلم أبداً.
5 - ما لا شك فيه أن عقاب ثمود "قوم صالح" كان بعد أن عقروا الناقة "قتلوها" وكما يقول القرآن في الآيات (65) - (67) من سورة هود: (فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب، فلمّا جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربّك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين).
فبناءً على هذه الآيات لم ينزل العذاب مباشرة بعد المؤامرة على قتل صالح، بل الإحتمال القوي أن الجماعة الذين تآمروا على قتله أهلكوا فحسب، ثمّ أمهل اللّه الباقين، فلمّا قتلوا الناقة أهلك الله جميع الظالمين والآثمين الكافرين.
وهذه هي نتيجة الجمع بين آيات هذه السورة، والآيات الواردة في هذا الشأن في سورتي الأعراف وهود.
وبتعبير آخر: في الآيات محل البحث جاء بيان إهلاكهم بعد مؤامرتهم على قتل نبيهم صالح، أمّا في سورتي الأعراف وهود فبيان هلاكهم بعد عقرهم الناقة.
ونتيجة الأمرين أنّهم حاولوا قتل نبيّهم، فلمّا لم يفلحوا أقدموا على قتل الناقة (وعقرها) التي كانت معجزته الكبرى... ونزل عليهم العذاب بعد أن أمهلوا ثلاثة أيام.
ويحتمل أيضاً أنّهم أقدموا على قتل الناقة أولا، فلما هدّدهم نبيّهم صالح بنزول العذاب بعد ثلاثة أيّام حاولوا قتله، فأهلكوا دون أن يفلحوا في قتله(7).
﴿وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ صالحا ومن معه ﴿وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ الشرك والمعاصي.