والسؤال الثّاني بحث عن موهبة استقرار الأرض وثباتها، وأنّها مقر الإنسان في هذا العالم، فيقول: هل أنّ اصنامكم أفضل، (أمّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي) (4)كما تحافظ على القشرة الارضية من الزلازل، كما (وجعل بين البحرين حاجزاً) ومانعاً من اختلاط البحر المالح بالبحر العذب.
وهكذا فقد ورد في هذه الآية ذكر أربع نعم عظيمة، ثلاث منها تتحدث عن استقرار الأرض! فتقول:
إن استقرار الأرض في الوقت الذي تتحرك بسرعة وتدور حول نفسها وحول الشمس، وتتحرك في المنظومة الشمسية وحركة هادئة وفي وتيرة واحدة، إلى درجة أن سكّانها لا يحسّون بحركتها أبداً... فكأنّها أوتدت في مكان واحد! وبقيت ثابتة فلا يُرى فيها أقلّ حركة.
والنعمة الأُخرى وجود الجبال، التي قلنا عنها سابقاً أنّها تُحيط بالأرض، وجذورها متصلة بعضها ببعض كالحاجر القوي الذي يقاوم الضغوط الداخلية للأرض، وحركات الجزر والمدّ الذين يحصلان بسبب جاذبية القمر، كما أنّها تعبر مانعاً امام الاعاصير والسيول من أن تدمّر الأرض بطغيانها!
والنعمة الأُخرى الحجاب الحاجز بين البحرين، و الحائل الطبيعي الذي يحول بين الماء المالح والماء العذب، وهذا الحجاب - غير المرئي - هو الإختلاف في درجة الغلظة بين الماء العذب والماء المالح، أو كما يصطلح عليه اختلاف "الوزن النوعي" الخاص الذي يسبب عدم انحلال مياه الأنهار العظيمة العذبة التي تنصب في البحار المالحة لمدّة طويلة، وعند حالة "المدّ" تتمدد هذه المياه العذبة على السواحل الصالحة للزراعة فتسقيها (وقد بيّنا تفصيل هذا الموضوع ذيل الآية 53 من سورة الفرقان).
وفي الوقت ذاته جعل الله خلال أجزاء الأرض المختلفة أنهاراً تسقي المزارع والأحياء... فتخضرّ البساتين وتثمّر الاشجار وبعض مصادر هذه المياه تكمن في قمم الجبال... وبعضها بين الطبقات الأرضيّة!.
ترى هل يمكن أن يكون هذا النظام قد وُلد عن طريق الصدفة العمياء الصمّاء، والمبدأ الفاقد للعقل والحكمة؟! وهل للأصنام تأثير في هذا النظام البديع المثير للدهشة؟!
حتى عبدة الأصنام لا يدعون مثل هذا الإدعاء! لذلك يكرر القرآن في ختام الآية هذا السؤال: (أإله مع الله)؟! حاش للَّهِ (بل أكثر هم لا يعلمون).
﴿أَمَّن جَعَلَ﴾ وما بعده بدل أمن خلق ﴿الْأَرْضَ قَرَارًا﴾ يستقر عليها الناس والدواب بثبوتها ﴿وَجَعَلَ خِلَالَهَا﴾ وسطها ﴿أَنْهَارًا﴾ جارية ﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾ جبالا تثبتها لئلا تميد ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ﴾ العذب والمالح ﴿حَاجِزًا﴾ لهما أن يختلطا ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الحق لعدم تدبرهم.