لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير دعوة إِلى العطف على اليتامى: يشير القرآن الكريم - بهدف إِثارة مشاعر العطف والإِشفاق لدى الناس بالنسبة إِلى اليتامى - إِلى حقيقة يغفل عنها الناس أحياناً، وتلك الحقيقة هي: إِن على الإِنسان أن يعامل يتامى الآخرين كما يحبّ أن يعامل الناس يتاماه. تصوروا مشهد أطفال فقدوا آباءهم وأمهاتهم يعيشون تحت كفالة شخص قاسي القلب خائن لا يرعى مشاعرهم، كما لا يراعي جانب العدالة في حقّهم. أجل تصوروا هذا المشهد المؤلم، كم يؤلمكم ويحزنكم ذلك؟ هل تحبّون مثل ذلك لأبنائكم الصغار من بعدكم؟ كلا حتماً، فكما تحبّون ورثتكم فأحبّوا ورثة غيركم ويتاماهم، واحزنوا لما يحزنهم. وعلى هذا يكون مفهوم قوله سبحانه: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم) هو أنّ الذين يخافون على مستقبل أولادهم الصغار عليهم أن يخافوا مغبة الخيانة في شؤون اليتامى ويخافوا مغبة إِيذائهم. وأساساً: إِنّ القضايا الإِجتماعية تنتقل في شكل سنة من السنن - من اليوم إِلى الغد، ومن الغد إِلى المستقبل البعيد، فالذين يُروّجون في المجامع سنة ظالمة مثل إِيذاء اليتامى فإِن ذلك سيكون سبباً لسريان هذه السنة على أولادهم وأبنائهم أيضاً، وعلى هذا لا يكون مثل هذا الشخص قد أذى يتامى الآخرين وورثتهم فقط، بل فتح باب الظلم على أولاده ويتاماه أيضاً. لهذا وجب أن يتجنب أولياء اليتامى مخالفة الأحكام الإِلهية، ويتقوا الله في ييياليتامى ويقولوا لهم قو عد موافقاً للشرع والحق، قو ممزوجاً بالعواطف الإِنسانية والمشاعر الأخوية، لكي يندمل بذلك ما في قلوب أُولئك من الجراح، وينجبر ما في أفئدتهم من الكسر، وإِلى هذا يشير قوله سبحانه: (فليتقوا الله وليقولوا قو سديداً). إنّ هذا التعليم الإِسلامي الرفيع المذكور في العبارة السابقة إِشارة إِلى ناحية نفسية في مجال تربية التيامى - جديرة بالإِهتمام والرعاية، وهي: إنّ حاجة الطفل اليتيم لا تنحصر في الطعام والكساء، بل مراعاة مشاعرهم وأحاسيسهم القلبية هو الأهم، وهو ذو تأثير كبير جدّاً في بناء مستقبلهم، لأن الطفل اليتيم إِنسان كغيره، يجب أن يحصل على غذائه اللازم من الناحية العاطفية، فيجب أن يحظى بالحنو والرعاية كما يحظى بذلك أي طفل آخر في حضن أبيه وأُمّه. أنه ليس "حَمَل" يخرج مع القطيع للرعي عند الصباح، ويعود عند الغروب، بل هو إِنسان يجب - مضافاً إِلى الرعاية الجسدية - أن يحظى بالرعاية الروحية، والعناية العاطفية، وإِلاّ نشأ قاسياً مهزوماً، عديم الشخصية، بل وحاقداً خطيراً. إِيضاح ضروري: عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قال أبو عبدالله(عليه السلام) مبتدءاً: "من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه، أو على عقبه، أو على عقب عقبه، قال (أي الراوي) فذكرت في نفسي فقلت: يظلم (و) هو يتسلط على عقبه وعقب عقبه؟ فقال لي قبل أن أتكلم: إِن الله يقول: ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم)". إِنّ السؤال الذي خالج ذهن الراوي يخالج نفسه أذهان كثيرين، فيتساءلون: كيف يحمل البارىء تعالى جزاء شخص على شخص آخر، بل وماذا فعل أبناء العاصي حتى يبتلوا بمن يظلمهم، ويتحملوا وزر ما جناه والدهم؟ إِنّ جواب هذا السؤال يتضح من الإِيضاح الذي ذكر في الحديث السابق وهو أن ما يرتكبه الأشخاص في المجتمع من أعمال تتخذ شكل السنة شيئاً فشيئاً، وينتقل إِلى الأجيال اللاحقة، وعلى هذا الأساس فإِن الذين يظلمون اليتامى في المجتمع، ويرسون قواعد هذا السلوك الظالم سيصاب أبناؤهم بلهيب هذه البدعة يوماً ما أيضاً، ويعدّ هذا في الحقيقة أحد الآثار الوضعية التكوينية لمثل هذا العمل، وأمّا نسبته إِلى الله فهي لأجل أن جميع الآثار التكوينية وكل خواص العلّة والمعلول منسوبة إِلى الله ومستندة إِليه تعالى، ولا يظلم ربّك أحداً أبداً. وخلاصة القول: اذا ساد الظلم في المجتمع فإنّه سوف يسري ويصيب الظالم وأولاده أيضاً. ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ﴾ أمر للأوصياء بأن يخشوا الله في أمر اليتامى ليفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم بعدهم أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا الله في أولاده ويحبون لهم ما يحبون لأولادهم ﴿فَلْيَتَّقُوا اللّهَ﴾ في أمر اليتامى ﴿وَلْيَقُولُواْ﴾ لهم ﴿قَوْلاً سَدِيدًا﴾ كما يقولون لأولادهم.