لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
أمّا في آخر آية من الآيات محل البحث، فيثير القرآن السؤال الخامس في شأن المبدأ والمعاد بهذه الصورة، فيقول: هل أنّ أصنامكم أفضل، (أمّن يبدأ الخلق ثمّ يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ءإله مع الله).. فهل بعد ذلك تعتقدون بوجود معبود غير الله (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)؟! وفي الواقع فإن الآيات المتقدمة كلها كانت تتكلم على المبدأ، وايات عظمة الله في عالم الخلق والوجود، ومواهبه ونعمه، إلاّ أنّه في الآية الأخيرة ينتقل البحث من معبر ظريف إلى مسألة المعاد، لأنّ بداية الخلق نفسها دليل على تحققها، والقدرة على بداية الخلق تعد دليلا واضحاً على المعاد. ومن هنا يتّضح الجواب على السؤال الذي يثيره كثير من المفسّرين، وهو أن المشركين المخاطبين بهذه الآيات أغلبهم لم يعتقدوا بالمعاد "المعاد الجسماني" فكيف يمكن أن يوجه إليهم هذا السؤال مع هذه الحال ويطلب منهم الإقرار. فالجواب عليه أن هذا السؤال مقرون بدليل يسوق الطرف الآخر للإقرار، لأنّه باعترافهم أن بداية الخلق من الله، وهذه المواهب والنعم كلّها منه، لكي تقبل عقولهم إمكان المعاد والرجوع إلى الحياة في يوم القيامة مرّة أُخرى. والمراد من (الرزق السماوي) هو الغيث ونور الشمس وأمثال ذلك، أمّا (الرزق الارضي) فالنباتات والمواد الغذائية المختلفة التي تنمو على الأرض مباشرة، أو عن طريق غير مباشر كالأنعام والمعادن والمواد المختلفة التي يتمتع بها الإنسان في حياته!. بحوث 1- مَن المضطر الذي يجاب إذا دعاه؟ مع أنّ الله - يجيب دعاء الجميع عند تحقق شروط الدعاء، إلاّ أنّ في الآيات آنفة الذكر اهتماماً بالمضطر، وذلك لأنّ من شروط إجابة الدعاء أن يغمضالإنسان عينيه عن عالم الأسباب كليّاً، وأن يجعل قلبه وروحه بين يدي رحمة الله، وأن يرى كل شيء منه وله! وأن حل كل معضلة بيده، وهذه النظرة وهذا الإدراك إنّما يتحققان في حال الإضطرار. وصحيح أنّ العالم هو عالم الأسباب والمسببات، والمؤمن يبذل منتهى سعيه وجهده في هذا الشأن... إلاّ أنّه لا يضيع في عالم الأسباب أبداً... ويرى كل شيء من بركات ذاته المقدسة، ويرى من وراء الحجاب ببصره النافذ "مسبب الأسباب" فيطلب منه ما شاء!. أجل، إذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة، فإنه يوفّر لنفسه أهم شرط لإجابة الدعاء. الطريف أنّه قد ورد في بعض الرّوايات تفسير هذه الآية بقيام المهدي صلوات الله وسلامه عليه! ففي رواية عن الإمام الباقر(ع) أنّه قال: "والله لكأنّي أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر ثمّ ينشد الله حقّه... قال والله هو المضطر في كتاب الله في قوله: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض)" (9)! وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(ع) قال: "نزلت في القائم من آل محمّد (ع) هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله عزَّوجلّ فأجابه ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض" (10). ولا شك أن هذا التّفسير - كما رأينا نظائره الكثيرة - لا يحصر المراد من هذه الآية بالمهدي(ع)، بل مفهوم الآية واسع، والمهدي(ع) واحد من مصاديقها الجليّة... إذ الأبواب في زمانه موصدة، والفساد عمّ البسيطة، والبشرية في طريق مسدود، وحالة الإضطرار ظاهرة في جميع العالم.. فعندئذ يظهر الإمام في أقدس بقعة.. فيطلب كشف السوء، فيلبي الله دعوته، ويجعله بداية "الظهور" المبارك في العالم، ويستخلفه في الأرض هو وأصحابه، فيكون مصداقاً لقوله تعالى (ويجعلكم خلفاء الأرض). "كان لنا بحث في شروط إجابة الدعاء وأهميته، وفي سبب عدم الإجابة، فصّلناه في ذيل الآية (186) من سورة البقرة" 2- الإستدلال المنطقي في كلّ مكان نقرأ في آيات القرآن - مراراً - أنّه يطالب المخالفين بالدليل، وخاصة بقوله: (هاتوا برهانكم) وقد جاء هذا النص في أربعة مواضع البقرة: الآية 115، الأنبياء: الآية 24، النمل: الآية 64، والقصص: الآية 75 كما أنّه أكّد في مواضع أُخرى على البرهان خاصة "والمراد من البرهان: أصدق دليل". وهذا المنطق (المطالبة بالبرهان) للاسلام يحكي عن محتواه الغني والقوي، لأنّه يسعى لأن يواجه مخالفيه مواجهة منطقية، فكيف يطالب الآخرين بالبرهان وهو لا يكترث به؟! فآيات القرآن المجيد مملوءة بالإستدلالات المنطقية... والبراهين العلمية في المسائل المتعددة!. وهذا الأمر على خلاف ما حرفته المسيحية اليوم - وعوّلت عليه، وترى أن الدين هو ما يوحيه القلب!! وتفصل العقل عنه إذ تراه أجنبياً عنه... حتى أنّها تؤمن بالتناقضات العقلية كالتوحيد في التثليث، ومن هنا فقد سمحت للخرافات أن تدخل في الدين، مع أن الدين لو خلا من العقل والاستدلال العقلي فسوف لا يقوم دليل عليه، ويكون ذلك الدين وما يضادّه سواء!. وتبرز عظمة هذا المنهج (وهو الإهتمام بالبرهان ودعوة المخالفين إلى الإستدلال المنطقي) حين نلتفت إلى أن الإسلام ظهر في محيط يعيش الخرافاتالتي لا أساس لها والمسائل غير المنطقية في جميع مفاصل منظومته الفكرية والمعرفية!! 3- خلاصة عامّة ومرور على الآيات السابقة في الآيات السابقة كان اهتمام القرآن منصباً لإثبات "توحيد المعبود" على "توحيد الخالق"، و"توحيد الرب" اي (توحيد الخلق وتوحيد التدبير) وتحدّث عن اثتني عشرة آية وعلامة لله العظيم في عالم الوجود: 1- السماء والأرض. 2- نزول الغيث. 3- بركاته في الحياة. 4- قرار الأرض. 5- الأنهار. 6- الجبال الرواسي. 7- الحاجز بين البحرين (العذب والمالح). 8- إجابة دعوة العباد. 9- هدايتهم في ظلمات البر والبحر. 10- إرسال الرياح بشراً بين يدي رحمته. 11- بدء الخلق وإعادته. 12- رزق الإنسان "وسائر الخلق" من السماء والأرض. هذه المواهب "والنعم" الاثنتا عشرة بيّنتْ في خمس آيات وضمن خمسة أسئلة!. وكانت تعالج الأُمور الخمسة التالية على التوالي: 1- الخلق. 2- والإستقرار. 3- كشف الضرّ. 4- الهداية. 5- إعادة الحياة (بعد الموت). وقد عقّب ذيل كل واحد من الأسئلة الخمسة، بقوله تعالى: (ءإله مع الله)؟! وقد أوضح القرآن في نهاية كل سؤال أموراً، فأشار في نهاية الآية الأُولى إلى إنحراف المخالفين عن الحق. وأشار في الآية الثّانية إلى جهلهم. وأشار في الآية الثّالثة إلى عدم تفكيرهم! وأشار في الآية الرابعة إلى انحطاط أفكارهم. وطالبهم في نهاية الآية الخامسة بالإستدلال! وقد أبدى القرآن بشكل عام مجموعة من الأسئلة الجامعة والمنسجمة بعضها مع بعض. ﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ بالمطر والنبات ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ﴾ يفعل شيئا مما ذكر ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ حجتكم على أن مع الله إلها ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في ذلك.