ثمّ يتكلم القرآن عن عدم علم المشركين بيوم القيامة وشكهم وجهلهم، فيقول: (بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون).
"ادّارك" في الأصل "تدارك" ومعناه التتابع أو لحوق الآخر بالأوّل، فمفهوم جملة: (بل ادّارك علمهم في الآخرة) أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرغم ممّا بذلوه من تفكير، وجمعوا المعلومات في هذا الشأن، لذلك فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة (بل هم في شك منها بل هم منها عمون).
لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدنيا، فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الربيع، وإزهار الأشجار وإثمارها مع أنّها كانت في فصل الشتاء جرداء!... ومشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق والوجود، كلها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت، إلاّ أنّهم كالعُمي الذين لا يبصرون كل شيء!
وبالطبع فإنّ هناك تفاسير أخر للجملة أعلاه، منها أنّ المراد من (ادّارك علمهم في الآخرة) أن أسباب التوصل للعلم في شأن الآخرة متوافرة ومتتابعة، إلاّ أنّهم عمي عنها.
وقال بعضهم: إنّ المراد منها أنّهم عندما تُكشف الحجب في يوم الآخرة، فإنّهم سيعرفون حقائق الآخرة بشكل كاف.
إلاّ أنّ الأنسب من بين هذه التفاسير الثلاثة هو التّفسير الأوّل حيث يناسب بقية الجمل في الآية، والبحوث الواردة في الآيات الأخر!.
وهكذا فقد ذكرت ثلاث مراحل لجهل المنكرين (للآخرة).
الأولى: أنّ إنكارهم وإشكالهم هو لأنّهم يجهلون خصوصيّات الآخرة "وحيث أنّهم لم يروها فهم يظنون الحقيقة خيالا".
الثّانية: أنّهم في شك من الآخرة أساساً، وسؤالهم عن زمان تحققها ناشيء من أنّهم في شك منها!.
الثّالثة: أن جهلهم وشكهم ليس منشؤهما أنّهم لا يملكون دليلا أو دلائل كافية على الآخرة، بل الأدلة متوفرة إلاّ أن أعينهم عميٌ عنها!.
﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾ تدارك وقرىء أدرك كأكرم أي انتهى وتكامل ﴿عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ في شأنها أي حصل لهم بالحجج أسبأب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة وهم ينكرونه وقيل وصفوا بالعلم تهكما بهم ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا﴾ مع تمكنهم من اليقين بتدبر حججها ﴿بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ﴾ عن إدراك حججها لعدم التدبر.