التّفسير
لا يضيق صدرك بمؤامراتهم:
كان الكلام في الآيات السابقة عن إنكار المعاندين الكفار للمعادْ، واستهزائهم وتكذيبهم باليوم الآخر.
ولما كان البحث المنطقي غير مُجد لهؤلاء القوم المعاندين والأعداء الألدّاء، بالإضافة إلى ما أقامتهُ الآيات الأخر من الدلائل الوافرة على المعاد ممّا يُرى كلّ يوم في عالم النباتات وفي عالم الأجنّة، وما إلى ذلك، فإنّ الآيات محل البحثبدلا من أن تأتيهم بدليل، هددتهم بعذاب الله الّذي شمل من سبقهم من الكفّار، وأنذرتهم بعقابه المخزي... فوجهت الخطاب للنبي(ص) قائلةً: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين).
فأنتم تعترفون أن هذه الوعود تلقّاها أسلافكم، فلم يكترثوا بها، ولم يروا ضرراً.. فهلاّ سرتم في الأرض قليلا، لتشهدوا آثار هؤلاء المجرمين المنكرين للتوحيد والمعاد، وخاصة الآثار في المناطق القريبة من الحجاز... لتنظروا أن الأمر ليس كما تزعمون.
ولكن سيحين موعدكم فلا تعجلوا... فأنتم كأُولئك ستواجهون المصير المحتوم والعاقبة المخزية إذا لم تصلحوا أنفسكم!.
والقرآن دعا مراراً إلى السير في الارض، ومشاهدة آثار الماضين، والمدن الخاوية الخربة التي حاق بأهلها سوء العذاب، وقصور الظالمين المتداعية، والقبور الدارسة والعظام النخرة، والأموال التي خلفها أصحابها المغرورون!!
إنّ مطالعة تلك الآثار التي تعبّر عن التأريخ الحىّ لأُولئك الماضين، توقظ القلوب الغافلة! وتبصّرها بالحق... والواقع كذلك، فإن مشاهدة واحد من هذه الآثار يترك في القلب أثراً لا تتركه مطالعة عدّة كتب تأريخية!.
(كان لنا بحث مفصل في هذا المجال ذيل الآية 137 من سورة آل عمران).
ممّا ينبغي ملاحظته أنّه جاء في هذه الآية التعبير بـ "المجرمين" بدلا من "المكذبين"... وهو إشارة إلى أن تكذيبهم لم يكن لأنّهم أخطأوا في التحقيق، بل أساسه العناد واللجاجة.
وتلوثهم بأنواع الجرائم!
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ تهديد لهم على الكفر بأن يصيبهم ما أصاب الكفرة قبلهم.