التفسير
لمّا كانت الآية السابقة تتحدث عن استعجال الكفّار بالعذاب ونزوله، أو تحقق القيامة وانتظارهم بفارغ الصبر ووقوع ذلك، وكانوا يقولون للنّبي(ص): (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين).
ومتى يوم القيامة؟! فإنّ الآيات - محل البحث - تشير إلى بعض الحوادث التي تقع بين يدي القيامة، وتجسد عاقبة المنكرين الوخيمة، فتقول: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون).
والمراد من قوله تعالى: (وقع القول عليهم) هو صدور أمر الله وما وعدهم من العقاب والجزاء.. أو وقوع يوم القيامة وحضور علائمها، العلائم التي يخضع لها كل من يراها، ويستسلم لأمر الله، ويحصل عنده اليقين بأنّ وعد الله حق، وأنالقيامة قد اقتربت.. وحينئذ توصد أبواب التوبة... لأنّ الإيمان في مثل هذه الظروف يقع اضطراراً.
وبالطبع فإنّ هذين المعنيين متلازمان لأنّ اقتراب القيامة يقترن بنزول العذاب ومجازاة الكافرين.
ولكن ما هي "دابة الأرض"؟ وما مصداقها؟ وأية مهمّة تحملها؟.. فالقرآن يجمل ولا يفصل، وكأنّه يريد أن يترك الموضوع مجملا غامضاً، ليكون الكلام فيه أكثر تأثيراً وباعثاً على التهويل.
فيقول مختصراً: يُخرج الله موجوداً يتحرك "أو دابة من الأرض" بين يدي القيامة، فيتكلم مع الناس ويقول: "إنّ الناس كانوا لا يؤمنون بآيات الله".
وبتعبير آخر: إنّ مهمّة هذه الدابة هي تفريق الصفوف وتمييز المنافقين والمنكرين من المؤمنين.
وبديهي أن المنكرين يرجعون إلى أنفسهم عند مشاهدة هذه الآيات، ويندمون على ما سلف منهم وعلى أيّامهم المظلمة، ولكن ما عسى أن ينفعهم الندم وأبواب التوبة موصدة؟!
وهناك مسائل كثيرة ومطالب وفيرة في خصوصيات "دابة الأرض" وجزئياتها وصفاتها في الرّوايات الإسلامية الواردة في كتب الفريقين، الشيعة وأهل السنة، وسنتعرض إليها ذيل هذه الآيات في باب البحوث إن شاء الله.
﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ أي قرب وقوع المقول وهو ما وعدوه من البعث والعذاب ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ﴾ تضافرت الأخبار أن الدابة أمير المؤمنين ومعه عصا موسى وخاتم سليمان يسم المؤمن والكافر ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ فيقول حاكية لقول الله ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ أي بالقرآن أو بخروجها.