والقرآن بعد ذكر هذه المقدّمة القصيرة يحكى قصّة "فرعون" و "موسى" فيقول: (نتلوا عليك من نبأ موسى و فرعون بالحقّ لقوم يؤمنون).
التعبير بـ "من" التي هي للتبعيض إشارة إلى هذه اللطيفة الدقيقة، وهي أن ما ورد - هنا في القرآن - من هذه القصّة ذات الأحداث الكبيرة يتناسب وما تقتضيه الضرورة فحسب.. والتعبير "بالحق" إشارة إلى أنّ ما ورد هنا خال من كل خرافة وأُسطورة، وبعيد عن الأباطيل والأكاذيب.. فهي إذن تلاوة مقترنة بالحق والواقعية.. والتعبير بـ (لقوم يؤمنون) هو تأكيد على هذه الحقيقة، وهي أنّ مؤمني ذلك العصر الذين كانوا يرزخون تحت ضغوط المشركين والأعداء، عليهم أن يدركوا هذه الحقيقة، وهي أنّ الأعداء مهما تعاظمت قواهم وتزايدوا عَدَداً وَعُدَداً، وأن المؤمنين مهما قلّوا وكانوا تحت ضغط أعدائهم وكانوا ضعافاً بحسب الظاهر، فلا ينبغي أن يهنوا وينكصوا عن طريق الحق، فكل شيء عند الله سهل يسير!..
الله الذي ربّى "موسى" في أحضان "فرعون" لإبادته وتدميره.. الله الذي أوصل العبيد والمستضعفين إلى أن يكونوا حاكمين في الأرض، وأذل الجبابرة والمستكبرين وأبادهم.
الله الذي رعى الطفل الرضيع بين أمواج النيل فحفظه ونجاه وأغرق آلاف الفراعنة الأقوياء في تلك الأمواج.. هو قادر على أن ينجيكم "أيّها المؤمنون".. أجل، إنّ الهدف الأصل من هذه الآيات هم المؤمنون وهذه التلاوة لأجلهم، والمؤمنون الذين يستلهمون من معاني هذه الآيات ويشقّون طريقهم - وسط زحام المشاكل والأخطار - باطمئنان.
﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ﴾ بعض خبرهما ﴿بِالْحَقِّ﴾ محقين ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فإنهم المنتفعون به.