ولنعد الآن إلى القرآن الكريم لنسمع خلاصة القصّة من لسانه! يقول القرآن في هذا الصدد: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً).
كلمة "التقط" مأخوذة من مادة "التقاط" ومعناها في الأصل الوصول إلى الشيء دون جهد وسعي، وإنّما سميت الأشياء التي يعثر عليها "لقطة" للسبب نفسه أيضاً.. وبديهي أنّ الفراعنة لم يجلبوا الصندوق الذي فيه الطفل الرضيع من الماء ليربوه في أحظانهم فيكون لهم عدواً لدوداً، بل أرادوه - كما قالت امرأة فرعون - قرة عين لهم.
ولكن النتيجة والعاقبة..كان ما كان وحدث ما حدث.. وكما يقول علماء الأدب: إنّ اللام في الآية هنا (فالتقطه آل فرعون ليكون..) هي "لا العاقبة" ليست "لام العلة" ولطافة التعبير كامنة في أنّ الله سبحانه يريد أن يبيّن قدرته، وكيف أن هذه الجماعة "الفراعنة" عبّأت جميع قواها لقتل بني إسرائيل، وإذا الذي أرادوا قتله - وكانت كل هذه المقدمات من أجله - يتربى في أحضانهم كأعزّ ابنائهم.
والتعبير - ضمناً - بآل فرعون يدل على أنّ الملتقط لم يكن واحداً، بل اشترك في التقاط الصندوق جماعة من آل فرعون، وهذا بنفسه شاهد على أنّهم كانوا ينتظرون مثل هذا الحدث!.
ثمّ تختتم الآية بالقول: (إنّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين).
كانوا خاطئين في كل شيء، وأي خطأ أعظم من أن يحيدوا عن طريق العدل والحقّ، وأن يبنوا قواعد حكمهم على الظلم والجور والشرك!.
وأي خطأ أعظم أن يذبحوا آلاف الأطفال ليقتلوا موسى(ع)، ولكن الله سبحانه أودعه في أيديهم وقال لهم: خذوا عدوّكم هذا وربّوه ليكبر عندكم؟!(2)
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ بتابوته فوضع بين يديه وفتح وأخرج منه موسى ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ اللام للعاقبة ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ في كل أمر فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم.