التفسير
موسى (ع) وحماية المظلومين:
في هذه الآيات نواجه المرحلة الثّالثة من قصّة موسى(ع) وما جرى له مع فرعون، وفيها مسائل تتعلق ببلوغه، وبعض الأحداث التي شاهدها وهو في مصر قبل أن يتوجه إلى "مدين" ثمّ سبب هجرته إلى مدين.
تقول الآيات في البداية (ولمّا بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماًوكذلك نجزي المحسنين).
كلمة "أشدّ" مشتقّة من مادة "الشدّة" وهي القوّة.
وكلمة "استوى" مشتقة من "الاستواء" ومعناها كمال الخلقة واعتدالها.
وهناك كلام بين المفسّرين في الفرق بين المعنيين:
فقال بعض المفسّرين: المقصود من بلوغ الأشد هو أن يصل الإنسان الكمال من حيث القوى الجسمانية، وغالباً ما يكون في السنة الثامنة عشرة من العمر.. أمّا الإستواء فهو الاستقرار والاعتدال في أمر الحياة، وغالباً ما يحصل ذلك بعد الكمال الجسماني.
وقال بعضهم: إنّ المقصود من بلوغ الأشد هو الكمال الجسماني، وأمّا الاستواء فهو الكمال العقلي والفكري.
ونقرأ في حديث عن الإمام الصادق(ع) في كتاب معاني الأخبار قال: فلمّا بلغ أشدّه واستوى قال: "أشدّه ثمان عشر سنة واستوى، التحى" (1).
وليس بين هذه التعابير فرق كبير، ومن مجموعها - مع ملاحظة المعنى اللغوي للكلمتين "الأشدّ والاستواء" - يستفاد منهما أنّهما يدلان على التكامل في القوى الجسمية والعقلية والروحية.
ولعل الفرق بين "الحكم" و "العلم" هو أنّ الحكم يراد منه العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحيح، والعلم يراد به العرفان الذي لا يصحبه الجهل.
أمّا التعبير (كذلك نجزي المحسنين) فيدل بصورة جليّة على أن موسى(ع)كان جديراً بهذه المنزلة، نظراً لتقواه وطهارته وأعماله الصالحة، إذ جازاه الله "بالعلم والحكم" وواضح أنّ المراد بالحكم والعلم هنا ليس النبوّة والوحي وما إليهما.. لأنّ موسى(ع) يومئذ لم يبعث بعد، وبقي مدّة بعد ذلك حتى بعث نبيّاً.
بل المقصود والمراد من الحكم والعلم هما المعرفة والنظرة الثاقبة والقدرة على القضاء الصحيح وما شابه ذلك، وقد منح الله هذه الأُمور لموسى(ع) لطهارته وصدقه وأعماله الصالحة كما ذكرنا آنفاً.
ويفهم من هذا التعبير - إجمالا - أنّ موسى(ع) لم يتأثر بلون المحيط الذي عاشه في قصر فرعون، وكان يسعى إلى تحقيق العدل والحق ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. رغم أنّ جزئيات تلك الاعوام غير واضحة.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ كمال شدته وهو ثلاث وثلاثون أو الحلم ﴿وَاسْتَوَى﴾ أي تم في استحكامه وبلغ الأربعين ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ نبوة ﴿وَعِلْمًا﴾ بالدين ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما فعلنا له ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ بإحسانهم.